العقل المكتسب هو الاستعانة بهذه القوى الثلاث، فلما أعرضوا عنها فقدوا العقل المكتسب. ولهذا قيل: من فقد حسًا فقد علمًا.
وأورد بعض المفسرين على هذه الآية سؤالًا فقال: فإن قيل: قوله: {لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} ليس المسموع إلا الدعاء والنداء، فكيف ذمهم بأنهم لا يسمعون إلا الدعاء؟ وكأنه قيل: لا يسمعون إلا المسموع، وهذا لا يجوز.
فالجواب: أن في الكلام إيجازًا، وإنما المعنى: لا يفهمون معاني ما يقال لهم، كما لا تميز البهائم بين معاني الألفاظ التي لا تصوت بها، وإنما تفهم شيئًا يسيرًا قد أدركته بطول الممارسة، وكثرة المعاودة. فكأنه قيل: ليس لهم إلا سماع النداء، دون إدراك المعاني والأغراض.
وقال علي بن عيسى: إنما ثنى فقال: {دُعَاءً وَنِدَاءً} لأن الدعاء طلب الفعل، والنداء إجابة الصوت.
ولما أخبر تعالى أن الكفار غرقوا في التقليد، فصاروا صمًا بكمًا عميًا عن البرهان، واتباع ما أنزل الله في كتابه العزيز، وكسر قلبهم، وضيق صدرهم، بضرب المثل الذي ضربه لهم، بأن نظمهم في سلك البهائم السارحة، خاطب تعالى أولي العقول الراجحة، الذين هجروا التقليد إلى ما أنزل الحكيم الحميد، آمرًا لهم أمر إباحة، وهو إيجاب في تناول ما يقيم البنية ويحفظها، فقال: