للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهل بالنظر، ولا عدم اطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشارة به، بل إنما كان ذلك لمجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي، المستلزم لحسد هذا النبي بعينه، لأن الحكم على الأعم، يستلزم الحكم على الأخص بما هو أفراد الأعم، فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب، فكان أهل الكتاب أول كافر به، لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه، الذي هو أقبح الوجوه. فالمعنى: لا تكفروا به فإنه إن وقع منكم كفر به، كان أول كفر، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم، فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر، ولذا أفرد ولم يقل كافرين، كما أشار إلى ذلك في "نظم الدرر".

وقرأت في كتاب "بذل المجهود في إقناع اليهود" (١) للحكيم السموأل بن يهوذا، فصولًا بها جمل من التوراة تلزم اليهود بالإقرار بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكرها بالعبرانية ونقلها إلى العربية، فقال: ذكر الآيات والعلامات التي في التوراة الدالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، : إنهم لا يقدرون أن يجحدوا هذه الآية من الجزء الثاني من السفر الخامس من التوراة، وهي ما معناه بالعربية: نبيًا أقيم لهم من وسط إخوتهم، مثلك به فليؤمنوا، وإنما أشار بهذا إلى أنهم يؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن قالوا: إنه قال من وسط إخوتهم، وليس من عادة كتابنا أنه يعني بقوله: "إخوتكم" إلا بني إسرائيل، قلنا: بلى قد جاء في التوراة، إخوتكم بني العيص، وذلك في الجزء الأول من السفر الخامس "أحيحيم بني عيسى ووهيوشيم بسيعير" تفسيره: أنتم عابرون في تخوم إخوتكم بني العيص، المقيمون في سيعير، إياكم أن تطمعوا في شيء من أرضهم، فإذا كان بنو العيص إخوة لبني إسرائيل، لأن العيص ولد إسحاق، فكذلك بنو إسماعيل، إخوة لجميع ولد إبراهيم، فإن قالوا: إن هذا القول إنما أشير به إلى شموئيل النبي، لأنه قال من وسط إخوتهم مثلك، وشموئيل إنما كان مثل موسى، لأنه من أولاد "ليوي" يعنون: من السبط الذي كان منه موسى، قلنا لهم: فإن كنتم صادقين فأي حاجة بكم إلى أن يوصيكم


(١) لقد توسع المؤلف- رحمه الله- في النقول، حتى وصل إلى نقل هذا الجدل، مع ما فيه من توسع غير ملزم لنا. وطبع الكتاب باسم "بذل المجهود في إقناع اليهود".

<<  <   >  >>