للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معتقدهم، وعليه فتكون هذه الآية مهددة لهم، ولكل من جاراهم في مضمارهم، ممن إذا صمم فكره على شيء جمد عليه، ولو كان باطلًا، وإذا أتيته بأعظم الأدلة القاطعة للخصم لم يتزلزل عما هو عليه، ولم يحد عن باطله الَّذي جمد عليه، وجادل بالباطل ليدحض به، فتراه مقيدًا على تقليد العوام، متمسكًا بالتعاليم التي تلقاها عن أمثاله غاية التمسك، ولما كان هذا من القبح بمكان، لا جرم أكثر الله تعالى من ذم سلف اليهود الذين ابتدعوا المنكرات، فاقتدى بهم خلفهم اقتداءً وتقليدًا أعمى، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه" (١).

وثالثها: يحتمل أن الحامل لهم على هذا اعتقادهم، أن انتسابهم إلى أكابر الأنبياء عليهم السلام كيعقوب وإسحاق وإبراهيم، يخلصهم من عقاب الله تعالى، ويوصلهم إلى ثوابه، وتكون لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، فكذبهم الله في هذه الدعوى، وأعلمهم أن هذا الانتساب مع تكذيب أمر الله تعالى لا يفيدهم شيئًا، وكذلك شأن كل من اغتر بهذه الترهات، فإن عاقبة أمره تكون الندامة يوم القيامة.

ولما بيّن سبحانه وتعالى أنهم لا يتمنون الموت، أثبت لهم ما فوق ذلك من تمني الضد الدال على علمهم بسوء منقلبهم، فقال:

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦)}.

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} هو من وجد، بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين، وأفرد أفعل التفضيل الَّذي هو {أَحْرَصَ} لأنَّه أضيف إلى معرفة، والمعنى: {لَتَجِدَنَّهُمْ} بما تعلم من أحوالهم {أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} والحرص طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ، والتنكير في الـ {حَيَاةٍ} للإشارة إلى أنهم


(١) هو دعاء مشهور، ولم أر أحدًا نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>