والمؤمنين، غلًا وحنقًا، و {بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران: ١١٨]، فأثر ذلك في أوهامهم فامتلكها، وسرى إلى قلوبهم فأثر فيها، والحسود المبغض، كلما ازدادت نعمة المحسود ازداد حسرة، وقلقًا ومرضًا، فازداد مرض قلوبهم الطبيعي لذلك، زيادة ترتقي كلما علا شأن الإسلام، وسرى نوره في الأقطار، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:{فزادهم الله مرضًا} بإظهار الله هذا الدين على جميع الأديان، وتفضل الله على نبيه حتى أظهره على الدين كله.
كانوا يعللون أنفسهم، ويداوون مرض قلوبهم، بما يتحدثون به في نواديهم، بأن ريح الإسلام تهب حينًا، ثم تسكن، ولواءه يخفق أيامًا ثم يقر، فأكذب الله أمانيهم، فرجعوا بصفقة المغبون، وقطع آمالهم، فضعفت قلوبهم حين ملكها اليأس، عندما أنزل الله على رسوله النصر، وأظهر دين الحق، واعتراها مرض لا يزال في ازدياد وعذاب أليم، من الحسرة، واتقاد نيران الحسد في الدنيا، وعذاب أليم يوم تجد كل نفس ما أحضرت، يوم ينكشف الغطاء، وتزدلف الجنة للمتقين، غير بعيد، ولشبه هذا المعنى، يرمي قول "ابن عباس": {في قلوبهم مرض}، المرض: النفاق، وقول جمع من الصحابة: في قلوبهم شك، وقد لاح لك مما قدمناه، أنا حملنا المرض في الآية على حقيقته، وهو الموافق لبلاغة القرآن الكريم، ولا مانع من أن يحمل المرض على معناه المجازي، فتجعله استعارة لبعض أعراض القلب، كسوء الاعتقاد والغل والحسد، والميل إلى المعاصي، والعزم عليها، واستشعار الجبن، والضعف، وغير ذلك مما هو فساد وآفة، شبهه بالمرض، كما استعيرت الصحة والسلامة في ضد هذه المذكورات.
والمراد به هنا ما في قلوبهم من سوء الاعتقاد والكفر، أو من الغل والحسد والبغضاء، وإذا تأملت هذا المعنى وجدته مندرجًا في المعنى الذي قبله، لأن ذلك نتيجة هذا، أو تقول: إن في هذا بيان السبب، وفي ذاك بيان ما تسبب عنه.
وقوله جل شأنه:{فزادهم الله مرضًا}، معناه: على مرضهم، وزادهم من الأسباب التي أنتجت له ذلك المرض، فزادهم غمًا على غمهم، وزادهم من نظير ما في قلوبهم من الشك والحيرة.