للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة، وشك فيها، واقترح غيرها، {فقد ضل سواء السبيل}، أي: وسطه، أو قصده، ولما كانت الشريعة توصل سالكها إلى رضوان الله تعالى كنى عنها بـ {السبيل}، وجعل من حاد عنها كالضال عن الطريق، وكنى عن سؤالهم نبيهم ما ليس لهم أن يسألوه بـ {يتبدل الكفر بالإيمان} وأخرج ذلك في سورة شرطية، وصورة الشرط لم تقع بعد تنفيرًا عن ذلك، وتبعيدًا منه، فوبخهم أولًا على تعلق إرادتهم بسؤال ما ليس لهم سؤاله، وخاطبهم بذلك ثم أدرجهم في عموم الجملة الشرطية، وأن مثل هذا ينبغي أن لا يقع، لأنه ضلال عن المنهج القويم، فصار صدر الآية إنكارًا وتوبيخًا، وعَجُزُها تكفيرًا أو ضلالًا، وما أدى إلى هذا فينبغي أن لا يتعلق به غرض، ولا طلب ولا إرادة.

تنبيه: أورد الرازي هنا سؤالًا فقال: اعلم أن السؤال الذي ذكروه، إن كان طلبًا للمعجزات فمن أين أنه كفر؟ ومعلوم أن طلب الدليل على الشيء لا يكون كفرًا، وإن كان طلبًا لوجه الحكمة المفصلة في نسخ الأحكام، فهذا أيضًا لا يكون كفرًا، لأن الملائكة طلبوا الحكمة التفصيلية في خلقه البشر، ولم يكن ذلك كفرًا. ثم أجاب بقوله: فلعل الأولى حمل الآية على أنهم طلبوا منه أن يجعل لهم إلهًا كما لهم آلهة، وإن كانوا طلبوا المعجزات، فإنهم كانوا يطلبونها على سبيل التعنت واللجاج، فلهذا كفروا بسبب هذا السؤال، انتهى.

أقول: من المعلوم أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وأن السؤال هنا إنما وقع سؤالًا مقيدًا بأن يكون مثل ما سُئل موسى من قبل، وما سئل موسى قد نطق به القرآن وفصله في آيات، فكانوا تارة يقولون: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨] وتارة يقولون تعنتًا ولجاجًا: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} [البقرة: ٦١] إلى غير ذلك مما هو معلوم من لجاجهم وعنادهم الذي ضلوا به سواء السبيل، فنهى الله المؤمنين عن أن يكونوا ذلك، وهذا تصريح بهذا المعنى لا حمل للآية عليه وتأويل لها.

ولما كان أكثر المثيرين لهذه الشكوك في صور أهل الإسلام، قال تعالى

<<  <   >  >>