للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: ١٥]، لأن من آمن وتصدق، كان قد أسلم لله روحه وماله الذي هو عديل روحه، فصار عبدًا لله حقًا، وفي ذلك إشارة إلى الحث على مفارقة كل محبوب سوى الله في الله.

قال الحرالّي: من ظن أن حاجته يسدها المال، فليس برًّا، إنما البر الذي أيقن أن حاجته إنما يسدها ربه ببره الخفي. انتهى.

والضمير في قوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} راجع إلى المال، والتقدير: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى} حب المال. ويؤيده ما رواه ابن جرير عن عبد الله بن مسعود، أنه في هذه الآية: يؤتي المال وهو صحيح شحيح، يأمل العيش، ويخشى الفقر؛ ورواه عنه عبد الرزاق.

وقيل الضمير راجع إلى الإيتاء المفهوم من قوله {وَآتَى}، كأنه قيل: يعطي ويحب الإعطاء، رغبة في ثواب الله تعالى. وهذا نفي لما كانوا يفعلونه في الجاهلية من إعطاء المال حبًا بالتفاخر.

وقدم {ذَوِي الْقُرْبَى} لأنهم أولى الناس بالمعروف, لأن إيتاءهم صدقة وصلة.

{وَالْيَتَامَى} علم لذوي القربى وغيرهم، وإعطاؤهم لأنهم أعجز الناس.

وعطف عليهم المساكين, لأنهم بعدهم في العجز، ويدخل فيهم الفقراء، و {الْمَسَاكِينَ}: الدائم السكون إلى الناس, لأنه لا شيء له، {وَابْنَ السَّبِيلِ}: المسافر المنقطع، وجعل ابنًا للسبيل، لملازمته له، وإعطاؤه لعجزه بالغربة، وإذا جعلنا ذلك أعم من الحال والمآل، دخل فيه المغازي والضيف، والسائلين المستطعمين.

وقد روى الإِمام أحمد مرفوعًا: "للسائل حق وإن جاء على فرس" (١) وذلك لأن الغالب أن سؤالهم يكون عن حاجة؛ ويدخل فيهم الغارم.


(١) ينظر "ضعيف الجامع الصغير" ٤٧٤٦، و"مختصر المقاصد الحسنة" ٨٠٩.

<<  <   >  >>