للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيهما، فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوة أولى، [و] بأن المعجزات لا تدل أول دلالتها إلا على صدق محمد عليه السلام، فأما أمر القبلة، فذلك إنما يثبت لأنه أحد ما جاء به محمد عليه السلام، فكان صرف المعرفة إلى أمر النبوة أولى.

وأنت خبير بأن الحمل على هذا الوجه أولى، لأنه يتضمن الوجه الأول وزيادة، لأنهم إذا كانوا يعرفون الرسول بجميع نعوته، معرفة لا يشكون فيها، نتج عن ذلك معرفة تحويل القبلة بأنه حق، لأن الرسول لا يأتي إلا بالحق.

وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ} أي: من أهل الكتاب، وإنما قال: {فَرِيقًا} ليخرج من آمن منهم، وليبقى الكلام متناولًا للمصرين على الكفر والعناد، {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} والحق المكتوم هنا: نعت الرسول، قاله قتادة ومجاهد؛ وهذا بناء على القول الثاني، أو التوجه إلى الكعبة، أو أنها القبلة، بناء على القول الأول، و"يكتمونه"، يخفونه ولا يعلنونه، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنه حق وأنهم آثمون في كتمانه.

فهم ثلاثة أصناف: عارف ثابت؛ وعارف منكر - وهو أردؤهم - وكاتم لا حق به.

وقوله: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} معناه: يا محمد إن الحق ما أعلمك به ربك وأتاك من عنده {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي: من الشاكّين فيه وهذا الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به، والمراد به غيره.

ولما بيّن أن أحدًا من هؤلاء الفرق لا يتبع قبلة الآخر، وتضمن ذلك أن لكل منهم قبلة، وقرر أن ذلك من أهل الكتاب على وجه العناد، أثبت ما تضمنه الكلام السابق على وجه أعم منه، وسبب عنه النتيجة فقال:

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٤٨].

فقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} يحتمل أن يكون المعنى: {وَلِكُلٍّ} أهل ملة {وِجْهَةٌ}، فحذف أهل الملة واكتفى بدلالة الكلام عليه، وبه قال ابن جريج وابن زيد، وابن عباس، والسدي، وتبعهم جماعة من المفسرين.

<<  <   >  >>