للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهاروت وماروت بيان للملكين علمان لهما، وقيل بدل من الناس، وعليه فلا يكونان اسمين للملكين، وعلى الأول اقتصر صاحب الكشاف. ثم بين تعالى نصيحة الملكين بقوله: {وما يعلمان من أحد} فـ {من} جيء بها لتأكيد استغراق الجنس، لأن {أحد} من الألفاظ المستعملة للاستغراق في النفي العام، فزيدت هنا لتأكيد ذلك.

وقوله: {حتَّى يقولا إنما نحن فتنة} أي: ابتلاء واختبار من الله، وذلك كما ابتلي قوم طالوت بالنهر، {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩]. وقوله: {فلا تكفر}، قد بينا فيما مضى ما ظهر لنا من معناه، ولنذكر هنا مسالك المفسرين: أي فلا تتعلم منا السحر معتقدًا أنَّه حق فتكفر. قال علي رضي الله عنه: كانا يعلمان تعليم إنذار لا تعليم دعاء إليه، كأنهم يقولان: لا تفعل كذا. وقال "المهدوي": إن قولهما {إنما نحن فتنة فلا تكفر} استهزاء، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله. وقال غيره: إنما هو توكيد لقبول الشرع والتمسك به، فكانت طائفة تمتثل وأخرى تخالف. وهذه الأقوال وغيرها تحوم حول ما ذكرناه.

وقوله: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}، معطوف على شيء دل عليه أول الكلام، كأنه قال: فيأبون فيتعلمون، واختار "الزجّاج" هذا الوجه، وقال "الفراء": هو عطف على {يعلمون الناس السحر ... فيتعلمون منهما}، والأقرب أنَّه معطوف على {يعلمان} المنفية لكونها موجبة في المعنى، وقوله: {منهما} الضمير في الظاهر عائد على الملكين، وقال "أبو مسلم": عائد على أو {فتنة} والكفر الَّذي هو مصدر مفهوم من قوله: {فلا تكفر}، والتقدير: فيتعلمون من الفتنة والكفر مقدار {ما يفرقون به بين المرء وزوجه}، والتفريق هنا تفريق الألفة والمحبة، بحيث تقع الشحناء والبغضاء فيفترقان، وتحتمل أن يكون المراد به تفريق الدين، بحيث إذا تعلم فقد كفر وصار مرتدًا، فيكون ذلك مفرقًا بينهما، والآية لا تدل على أن الَّذي يتعلمونه منهما ليس إلَّا هذا القدر، لكن ذكرت هذه الصورة تنبيهًا على سائر الصور، فإن استكانة المرء إلى زوجته وركونه

<<  <   >  >>