للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي لفظ {أولئك} الَّذي هو اسم الإشارة، دليل على أنَّه أشير به إلى الذين جمعوا الأوصاف السابقة الذميمة {الذين اشتروا} أي: آثروا بهجة الدنيا ونعيمها وزينتها على النعيم السرمدي، إيثارًا للعاجل الفاني على الآجل الباقي، قال أرباب المعاني: إن الدنيا ما دنا من شهوات القلب، والآخرة ما اتصلت برضاء الرب، انتهى.

وبهذا يتضح المقصود من ذم الدنيا، فكلما حرصت على إحرازه لتتمتع به على انفرادك، ولم يكن لربك فيه رضاء، فهو الدنيا المذمومة، وكلما سعيت في تحصيله لنفعك ونفع إخوانك المؤمنين، فهو من الآخرة الممدوحة. إذا كان فيه رضاء ربك عَزَّ وَجَلَّ، وهذه هي طريقة السلف الصالح، فقد كانوا يجاهدون ويعملون بأيديهم، ويتجرون ويعتقدون أن ذلك من أعمال الآخرة، فليعلم ذلك وليتنبه لأمثاله أولو اليقين والتحقيق.

ثم إنه تعالى بيَّن المسبب عن فعلهم بقوله: {فلا يخفف عنهم العذاب} في واحد من الدارين {ولا هم ينصرون} أي: لا يجدون مأمنًا يدفع عنهم ما حلّ بهم من عذاب الله، وهذه الآية من أعظم الدلالة على خذلان من غزا لأجل المغنم، أو غل في الغنيمة، أو خان إخوانه المسلمين، وقد أخرج الإمام مالك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب".

ولما بيَّن لهم أنهم نقضوا العهود فأحاطت بهم الخطايا، فاستحقوا الخلود في النار، توقع السائل الإخبار عن سبب وقوعهم في ذلك، هل هو جهل أو فساد؟ فبشع الله ذلك عليهم بما افتتحه بحرف التوقع، فقال:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)}.

اللام هنا يحتمل أن تكون للتأكيد. وأن تكون جواب قسم، والإيتاء:

<<  <   >  >>