للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محال، لأنه يفضي إلى إيقاع الفعل في زمن قد انقضى، وذلك لأن الجملة المركبة من الشرط والجزاء، وما لم يوجد الشرط بتمامه، لا يترتب عليه الجزاء.

ثم إن قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} عام، يتناول عمومه أن من دخل عليه الشهر وهو مقيم أو صحيح، ثم سافر أو مرض، كان الواجب عليه أن يصوم الكل.

فمن ثم كان هذا العموم مخصصًا بقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، والخاص مقدم على العام، فثبت أنه وإن سافر أو مرض بعد شهود الشهر، حل له الإفطار، وعليه القضاء عدد ما أفطر {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وحيث فهم من هذه الآية، أن كل من أدرك جزءًا من رمضان لزمه صوم كل رمضان، كان ذلك الحكم شاملًا للمجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، أنه يلزمه صوم كل رمضان، وحيث إنه لم يمكن صوم ما تقدم، كان القضاء واجبًا عليه. إلا أن يقال: إن قوله تعالي: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ينفي القضاء على المجنون، لأن الجنون ليس من فعله، بخلاف السفر، ولأن المريض له عقل يصلح أن يكون مناطًا للتكليف، بخلاف المجنون، فإنه أثناء جنونه ليس بأهل للتكليف، فالحق بموجب هذه الآية أنه لا قضاء عليه.

ويفهم من هذه الآية: أنه متى كان المريض بحيث يعسر عليه الصوم، جاز له الفطر، وعليه القضاء؛ وقد تقدم الكلام في ذلك.

واختلف العلماء، في أنه هل يلزم إضمار فعل في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}، أن يضمر: "فأفطر"، ثم يقول: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. فذهب ابن عباس وابن عمر، وأُبي بن كعب والضحاك، إلى إمرار الآية على ظاهرها، وقالوا: من صام في السفر فعليه القضاء إذا أقام، وبه قضى عمر، وإليه ذهب أبو هريرة وعروة، روى ذلك عنهم أبو جعفر الطبري في تفسيره، وهو نص ظاهر الآية، والإضمار خلاف الأصل، لأن الله تعالى فرض صوم شهر رمضان على من شهده مقيمًا غير مسافر، وفرض على من كان مريضًا أو على

<<  <   >  >>