للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر الله تعالى الإنعام الرابع على بني إسرائيل فقال:

{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)}.

{الْفُرْقَانَ} هو: الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها، فيكون الكتاب نعت للتوراة أقيم مقامها، استغناء به عن ذكر التوراة، ثم عطف عليه بالفرقان، إذ كان من نعتها، كذا نقل معناه عن ابن عباس، ويدل على صحته ذكر الكتاب، وأن معنى الفرقان: الفصل. وقوله {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، لتهتدوا على ما مر في قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ثم ذكر تعالى الإنعام الخامس بقوله:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)}.

تأويل ذلك: واذكروا أيضًا {إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} من بني إسرائيل: {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}، ظلمًا تستحقون به العقوبة {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} إلهًا من دون الله، فجعلتم أنفسكم متذللة لمن لا يملك لها نفعًا ولا ضرًا، ولمن هي أشرف منه، فأنزلتموها من رتبة عزها، بخضوعها لمولاها الذي لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، بخضوعها لمن هو دونكم أنتم، هذا هو أسوأ الظلم، فإن المرء لا يصلح أن يتذلل لمثله، فكيف بمن دونه من حيوان، فكيف بما يشبه بالحيوان من جماد الذَّهب الذي هو من المعادن، وهو أخفض الكائنات رتبة، حين لم تبلغها حياتها أن تبدو فوق الأرض كالنبات من النجم، والشجر، ولما فيه من الانتفاع بما يكون منه الحب والثمر، الذي ينتفع به غذاء ودواء، والمعادن لا ينتفع بها إلَّا في الآلات والنقود، ومنفعتها إخراجها لا إثباتها.

ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم، والإنابة إلى الله من ردتهم بالتوبة إليه، والتسليم لطاعته فيما أمرهم به، وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم.

<<  <   >  >>