للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: المراد الانتفاع به، ونبه بالأكل على وجوه الانتفاع، إذ كان أكل أعظمها، إذ به تقوم البنية. واستدل لذلك بأنه تعالى ما خص الحل والحرمة بالمأكولات، بل بسائر ما ينتفع به من أكل وشرب ولبس، وغير ذلك.

وفي قوله: {مَا رَزَقْنَاكُمْ} إسناد الرزق إلى ضمير المتكلم بنون العظمة، لما في الرزق من الامتنان والإحسان.

وعلى تفسير "الطيبات" بالحلال، يكون الرزق منقسمًا إلى الحلال والحرام، خلافًا لما ذهب إليه قوم، من أن الرزق لا يكون إلا حلالًا، وإلى هذا ذهب صاحب "الكشاف"، بناء على أصل مذهبه، فقال: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، من مستلذاته, لأن كل ما رزقه الله لا يكون إلا حلالًا.

وفي قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} التفات، إذ خرج من ضمير المتكلم إلى اسم الغائب، وقدم المفعول، فقال: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ليفيد الاختصاص، أي: إن صح أنكم تخصونه بالعبادة، وتقرون أنه مولى النعم.

ولما قيد تعالى الإذن لهم بالطيب من الرزق، افتقر الأمر منه إلى بيان الخبيث ليجتنب فبيّن صريحًا ما حرم عليهم، مما كان المشركون يحلونه ويحرمون غيره، وأفهم حل ما عداه، وأنه كثير جدًا، ليزداد المخاطب شكرًا فقال:

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)}.

كلمة {إِنَّمَا} للحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما عداه، ولكن هذا الحصر تارة يكون مطلقًا، وتارة يكون مخصوصًا، ويفهم ذلك بالقرائن والسياق، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: ٧، والنازعات: ٤٥] وظاهر ذلك الحصر للرسول في النذارة، والرسول لا ينحصر في النذارة، بل له أوصاف جميلة كثيرة، كالبشارة وغيرها, ولكن

<<  <   >  >>