للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك بأشياء لم يتضمنها القرآن ولا الحديث الصحيح، وبعضها يناقض بعضًا، وذلك على جري عاداتهم في نقل ما دب وما درج، ولا ينبغي أن يعتمد إلا على ما صح في كتاب الله وسنة رسوله.

والصواب: أن {إسماعيل} عليه السلام كان مشاركًا لإبراهيم في البناء، كما أخبر الله تعالى بذلك، فلا عبرة يقول من نفى مشاركة إسماعيل له.

ثم وصل بهذا العمل الشريف قوله: {ربنا} مرادًا فيه القول، محذوفًا منه ياء النداء الدالة على البعد، أي: يقولون: {ربنا تقبل منا} عملنا بفضلك، ولا ترده علينا، إشعارًا بالاعتراف بالتقصير لحقارة العبد، وان اجتهد في جنب عظمة مولاه، ولما تضمن سؤال القبول المشعر، بخوف الرد، علم الناقد البصير بالتقصير علله بقوله: {إنك أنت السميع} لدعائنا، {العليم} بنياتنا وضمائرنا، وفي هذا الدعاء دليل واضح على أن بنائهما ذلك لم يكن مسكنًا يسكنانه، ولا منزلًا ينزلانه، بل هو دليل على أنهما بنياه ورفعا قواعده، لكل من أراد أن يعبد الله، تقربًا منهما إلى الله بذلك، ولذلك قال: {ربنا تقبل منا} ولو كانا بنياه مسكنًا لأنفسهما، لم يكن لقولهما {تقبل منا} وجه مفهوم، لأنه كان يكون لو كان الأمر كذلك سائلين أن يتقبل منهما، ما لا قربة فيه إليه، وليس موضعهما مسألة الله قبول ما لا قربة إليه فيه.

ولما سألا القبول، سألا الزيادة عليه بقولهما: {ربنا واجعلنا مسلمين لك} مخلصين لك أوجهنا، من قوله تعالى: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: ١١٢، والنساء: ١٢٥] أو مستسلمين، أي خاضعين مذعنين، والمعنى: زدنا إخلاصًا أو إذعانًا لك، ولم يريدا بقولهما: {واجعلنا مسلمين لك}، حقيقة الإسلام بل أرادا والله أعلم: الدعاء بالدوام، كما في {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦] واشارة إلى أن الإسلام لما كان ظاهر الدين كان سريع الانثلام، لأجل مضايقة أمر الدنيا، وإنما يتم الإسلام بسلامة الخُلُق من يد العبد ولسانه، والإلقاء بكل ما بيده لربه، وذلك مما ينازع فيه وجوه النفس، ومتضايق الدنيا، كان هو مطلبًا لأهل

<<  <   >  >>