يوصف بأنه تقطعت به الأسباب، و {الْأَسْبَابُ} هنا: الوُصَل التي كانت بينهم، من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب والمحاب، والاتباع والاستتباع.
وفي قوله:{اتُّبِعُوا} و {اتَّبَعُوا} وقوله: {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} نوع من البديع يسمى: الترصيع، وهو أن يكون الكلام مسجوعًا.
وقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} الآية، معناه أنهم تمنوا الرجوع إلى الدنيا، حتى يطيعوا الله، ويتبرؤوا منهم في الآخرة إذا حشروا جميعًا، مثل ما تبرأ المتبوعون أولًا منهم. فـ {لَوْ} هنا للتمني، ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني، فكأنه قيل: ليت {لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}.
وقوله تعالى:{كَذَلِكَ} الكاف للتشبيه، والتقدير: مثل إراءتهم تلك الأهوال الفظيعة {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} أي: ندامات، وقيل:"الحسرة": أشد الندامة، والمعنى:{يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} التي فرضها عليهم في الدنيا فضيعوها، ولم يعملوا بها، حتى استوجبت ما كان الله أعد لهم، لو كانوا عملوا بها، في جناته من المساكن والنعم، وغيرهم بطاعته ربه، فصار ما فاته من الثواب، الذي كان الله أعده له عنده، لو كان أطاعه في الدنيا، إذا عاينه عند دخوله النار، أو قبل ذلك أسىً وندامة، وحسرة عليه؛ وقيل:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} السيئة {حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}، لِمَ عملوها وهلا عملوا بغيرها مما يرضي الله تعالى؟ وهذا القول يدل عليه ظاهر لفظ الله، وهو أولى مما قبله.
ثم قال تعالى:{وَمَا هُمْ} أي: خاصة، وأكد النفي بالجار، فقال:{بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} يومًا من الأيام، ولا ساعة من الساعات، بل هم خالدون فيها على طول الآباد، ومر الأحقاب، وفيه إشعار بقصدهم الفرار منها والخروج، كما قال تعالى:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا}[الحج: ٢٢، والسجدة: ٢٠] فأنبأ تعالى أن وجهتهم للخروج لا تنفعهم، فلم تبق لهم منة تنهضهم منها، حتى ينتظم قطع رجائهم من مُنة أنفسهم، بقطع رجائهم ممن تعلقوا به من شركائهم.