للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)}.

فهذا هو نوع آخر من قبائح أفعالهم. وجملة {واتبعوا} معطوف على جميع الجملة السابقة، من قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ} إلى آخرها، وهو إخبار عن حالهم عن اتباعهم ما لا ينبغي أن يتبع، ولا يصح عطف {واتبعوا} على {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}، لأنَّ الاتباع ليس مرتبًا على مجيء الرسول، لأنهم كانوا متبعين ذلك قبل مجيء الرسول، بخلاف نبذ كتاب الله، فإنه مترتب على مجيء الرسول.

وقوله: {ما تتلو} قيل: معناه: تتبع، قاله ابن عباس. أو تدعي، أو تقرأ، أو تحدث، قاله عطاء. أو تروي، قاله يمان. أو تعمل أو تكذب، قاله أبو مسلم. وهي أقوال متقاربة والأصح، أن {تتلو} بمعنى: تكذب، وعبر بالمضارع إشارة إلى كثرة الاتباع وفشوه واستمراره.

واختلف المفسرون في من هو المخبر عنه بقوله تعالى: {واتبعوا}؟ فذهب ابن جرير إلى أن ذلك توبيخ من الله تعالى، لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجحدوا نبوته وهم يعلمون أنَّه لله رسول مرسل, وتأنيب لهم في رفضهم تنزيله وهجرهم العمل به، وهو في أيديهم يعلمونه ويعرفون أنَّه كتاب الله، واتباعهم واتباع أسلافهم وأوائلهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان، وكثيرًا ما يضاف أفعال أسلافهم إليهم في الكتاب العزيز، لحذو المتأخر منهم حذو المتقدم.

وذهب الرازي إلى أن الخبر يتناول الكل، أعني من كان زمن سليمان ومن بعده، قال: وهذا أولى لأنَّه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره، إذ لا دليل على التخصيص، انتهى.

<<  <   >  >>