عاجزون عنه، لأنه لا يكون مثل محمد إلا الشخص الواحد الأمي، فأما لو اجتمعوا وكانوا قارئين لم يكونوا مثل محمد، لأن الجماعة لا تماثل الواحد، والقارئ لا يماثل الأمي، ولا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أولى.
وقوله تعالى:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ}، الآية، فمعناه: فأتوا بسورة من مثل القرآن، واستنصروا واستعينوا على ذلك بأعوانكم، الذين يشاهدونكم، ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم، واستعينوا أيضًا بأوثانكم وبرؤسائكم، وأكابركم إن كنتم محقين في ادعائكم، أن ما جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم -، اختلاق وافتراء لتمتحنوا أنفسكم وغيركم، هل يقدرون على أن يأتوا بسورة من مثله، فيقدر محمد على أن يأتي بجميعه من قبل نفسه اختلاقًا.
وإنما قلنا بالتعميم في معنى الشهداء، فجعلناه شاملًا للأوثان والرؤساء والأعوان، لأن الشهداء جمع شهيد، بمعنى: الحاضر، أو القائم بالشهادة، ولا مانع من جعله مجازًا على المعين والناصر وأوثانهم وأكابرهم، مشتركة في أنهم كانوا يعتقدون فيهم كونهم أنصارًا لهم، وأعوانًا، وإذا حمل اللفظ على هذا المفهوم المشترك دخل الكل فيه، واستعمل لفظ دون هنا، وفي أمثاله في كل ما يجاوز حدًا إلى حد.
فمعناه هنا: وادعوا إلى المعارضة من شئتم غير الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يقدر أن يأتي بمثله إلا هو سبحانه وتعالى، ثم أحضروا من شئتم إذا أتيتم بشيء، وزعمتم أنه مثل القرآن ليشهد لكم أنه مثله، فإنكم لا تقدرون على ذلك، وهذا نوع من التبكيت لهم غريب، حيث أطلق لهم العنان في المعارضة، وأعطاهم الحرية فيها، ليقروا بالعجز من تلقاء أنفسهم، ويوضحه أن يقال: لو أن إنسانًا ادعى قلب الحقائق، وجعل ينازع في إثبات دعواه، ويشاغب، فتترك أنت شغبه، وتقول له: اقلب حقيقة هذه الشجرة، من حقيقة الشجرية إلى حقيقة الذهبية، فإنك متى طلبت له ذلك نكص على عقبه، وانقطع شغبه، وختم ذلك التبكيت بقوله:
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، بأن هذا القرآن من كلام البشر، وإلا فارعواؤكم عن غيكم أولى لكم.