أحدها: أنا لو صرفنا الضمير إلى محمد عليه الصلاة والسلام، لأوهم ذلك أن صدور مثل القرآن ممن لم يكن مثل محمد، في كونه أميًّا ممكن، ولو صرفنا إلى القرآن كما قلنا به سابقًا، لدل على أن صدور مثله من الأميّ، وغير الأميّ ممتنع، فكان القول بذلك أحقّ بالاعتبار.
وثانيها: أن الصرف المذكور يؤدي إلى كون القرآن معجزًا، إنما يكمل بتقرير كمال حاله - صلى الله عليه وسلم -، في كونه أميًا بعيدًا عن العلم، لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وهذا وإن كان معجزًا أيضًا، إلا أنه لما كان لا يتم إلا بتقرير نوع من النقصان في حقه عليه الصلاة والسلام، كان ما رقمناه سابقًا أولى، لأن إرجاع الضمير إلى القرآن، يعلمنا أنه هو المعجوز، عن الإتيان بمثله، لكمال حاله في الفصاحة والبلاغة.
وثالثها: أن صرف الضمير لما نزلنا مطابق لسائر الآيات الواردة في باب التحدي، لا سيما لقوله تعالى في سورة يونس: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس].
فإنك ترى ضمير {مِثْلِهِ} هنا عائدًا إلى القرآن قطعًا، ودالًا على أن الضمير هنا عائد لما نزلنا، لأن البحث إنما وقع في المنزل، لأن الآية يصرح معناها، بأانه إن ارتبتم بأن القرآن منزل من عند الله، فهاتوا أنتم شيئًا مما يماثله.
ولو كان الضمير مردودًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكان المعنى أن يقال:
وإن ارتبتم في أن محمدًا منزل عليه فهاتوا قرآنًا من مثله.
ورابعها: أن عود الضمير إلى القرآن، يقتضي كونهم عاجزين عن الإتيان بمثله، سواء اجتمعوا أو انفردوا، وسواء كانوا أميين أو كانوا عالمين، وهذا المعنى لا يتم لو أرجعنا الضمير إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يصير حينئذ أن الآحاد من الأميين