للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهل أو من هو قريب منه التدريس، حفظ كلمات فألقاها في درسه، وساعده من كان من شيعته أيامًا، ثم يترك التدريس، فالمولي لأمثال هؤلاء، يصدق عليه أنه ساع في خراب المساجد.

ثم ذكر تعالى ما رتبه عليه فعلهم من الخوف في المسجد الذي سعوا في خرابه، والخزي في الدنيا والآخرة، ضد ما رتبه لمن أحسن، فقال: {أولئك} المانعون {ما كان لهم أن يدخلوها}، أي: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله {إلا خائفين}، على حال التهيب وارتعاد الفرائص، أي: ما كان الحق والواجب إلا ذلك، وما كان أمنهم فيها إلا بسبب كثرة المساعد على ما ارتكبوه من الظلم والتمالؤ على الباطل، وسنزيل ذلك، ففيه بشارة المؤمنين وأهل الحق بعلو كلمة الإسلام والحق، وقهر من عاداه.

ويجوز أن يكون المعنى: {أولئك ما كان} ينبغي {لهم أن} يدخلوا مساجد الله، {إلا} وهم خائفون من الله، وَجِلون من عقابه، فكيف لهم أن يتلبسوا بمنعها من ذكر الله والسعي في تخريبها، إذ هي {بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: ٣٦، ٣٧] وما هذه سبيله ينبغي أن يعظم ذكر الله فيه، ويسعى في عمارته، ولا يدخله الإنسان إلا وجلًا خائفًا، إذ هو بيت الله، أمر بالمثول فيه بين يديه للعبادة، ففي ذلك تقبيح عظيم على ما وقع منه، إذ كان ينبغي أن يقع ضده، وهو التبجيل والتعظيم. ومما يؤيد هذا المعنى وقوع {كان} في قوله: {ما كان لهم} ولو كان المعنى أنهم يدخلونها خائفين، لقيل: أولئك ما يدخلونها إلا خائفين، وإلى هذا جنح أبو حيان في تفسيره "البحر".

ثم بين تعالى الجزاء المناسب لهم، في قوله: {لهم في الدنيا خزي} الآية، أما الخزي في الدنيا فهو الهوان والإذلال لهم، وهو مناسب للوصف الأول لأن فيه إهمال المساجد بعدم ذكر الله وتعطيلها من ذلك، فَجُوْزوا على ذلك بالإذلال والهوان، وأما العذاب العظيم في الآخرة فهو العذاب بالنار، وهو إتلاف لهياكلهم

<<  <   >  >>