للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حق فزاغوا عنه، ولا سيما إن كانت لهم قرابة، لأنهم جديرون بالمبادرة إلى الإجابة بأدنى بيان، وأيسر تذكير، فإن رجعوا اقتدى بهم الجاهل فسهل أمره، وانحسم سره، وإن لم يرجعوا طال جدالهم، فبان للجاهل ضلالهم، فكان جديرًا بالرجوع والكف عن غيه، والنزوع، وعرفت من تمادي الكلام معهم الأحكام، وبان الحلال من الحرام.

فلذلك لما فرغ من دعوة العرب الجامعة لغيرهم باختصار، وختم، بأن وعد باتباع الهدى، وتوعد، شرع سبحانه يحض العلماء من المنافقين بالذكر، وهم من كان أظهر الإسلام من أهل الكتاب، على وجه استلزم عموم المصارحين منهم بالكفر، إذ كانوا من أعظم من خص بإتيان ما أشير إليه من الهدى والبيان، بما فيه الشفاء، وكان كتابهم المشتمل على الهدى، من أعظم الكتب وأشهرها وأجمعها، فقص عليهم ما مثله يلين الحديد، ويخشع الجلاميد، فقال تعالى مذكرًا لهم بنعمه الخاصة بهم:

{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)}.

وقد نظم هذه المناسبة في نظم الدرر من يناسب الآيات والسور، وأنت إذا تأملت القرآن الكريم، ورأيته يخاطب المشركين واليهود والنصارى، وكل من اتخذ معبودًا غير الله تعالى، ويخاطب المؤمنين بوجه خاص، تجلى لك البرهان بعموم رسالة من أنزل عليه، فكن لهذا السر حافظًا، وأمعن النظر فيه تزداد إيمانًا وهدى.

و{إِسْرَائِيلَ}: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، فكأنه تعالى يقول: يا بني يعقوب الذي شرفته وشرفت بنيه من أجله، {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}، واذكروا: مأخوذ من الذكر بالكسر والضم وهما بمعنى واحد عند كثير من النحويين، وكلاهما يكون باللسان وبالقلب، وفرق الكسائي بينهما فقال: ما كان بكسر الذال فهو الذكر باللسان، وما كان بالضم فهو الذكر بالقلب، والذي بالقلب ضده: النسيان، والذي باللسان ضده: الصمت. وقد أمرهم تعالى أن لا يتركوا شكر النعمة، وأن يعتدوا بها ويستعظموها، وأن

<<  <   >  >>