للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقصورًا على ذكر الأولين فقط، بل كل قصة منه إنَّما ذكرت لما يلحق هذه الأمة في أمد يومها من شبه أحوال من قص عليهم قصصه، ولذلك تجد القصة تكرر تكررًا بحسب أهميتها، حتَّى لا ينسى ولا يجهل مكان الإشارة منها.

ولما بيّن تعالى نعمه عليهم بأن ظلل لهم من الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، وهو من النعم العاجلة، أتبعه بنعمه عليهم في باب الدين، حيث أمرهم بما يمحو ذنوبهم، وبين لهم طريق المخلص مما استوجبوه من العقوبة، فقال:

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)}.

أكثر المفسرين على أن القرية المذكورة هنا، هي: بيت المقدس، وقيل: هي أريحا، يقول تعالى: {وإذ قلنا} لبني إسرائيل {ادخلوا هذه القرية}، وقد أمروا بدخولها بعد الخروج من التيه، {فكلوا منها} من هذه القرية {حيث شئتم} أكلًا (رغدًا}، وعيشًا هنيئًا واسعًا بغير حساب، {وادخلوا الباب سجدًا} أي: باب القرية، وقيل: هو باب القبة التى كانوا يصلون إليها، وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السَّلام، وليكن دخولكم حالة كونكم ساجدين شكرًا لله، وتواضعًا، {وقولوا حطة}، أي: وقولوا دخولنا ذلك سُجدًا حطة لذنوبنا، أي: ليحط الله عنا بذلك ذنوبنا وخطايانا، فإنكم إن فعلتم ذلك {نغفر لكم} ذنوبكم، نتغمد بالرحمة {خطاياكم} ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها، {وسنزيد المحسنين}، أي من كان محسنًا منكم، كانت هذه الكلمة سببًا في زيادة حسناته وثوابه، ومن كان مسيئًا كانت له توبة ومغفرة. {فبدل الذين ظلموا}، أي: غيّر الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله، {قولًا غير الذي قيل لهم}، أي: بدلوا قولًا غير الذي أمروا أن يقولوه، فقالوا خلافه، وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم، وحاصله: أنهم أمروا بقولٍ معناه: التوبة والاستغفار، فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه، وهو لفظ "الحطة" فجاؤوا بلفظ آخر، لأنهم لو جاؤوا

<<  <   >  >>