للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارتفاع الشمس إلى ذلك الارتفاع، فقد سامتت الشمس رؤوس أهل مكة، فينصب العامل مقياسًا، ويخط على ظل المقياس خطًا من مركز العمود إلى طرف الظل، فذلك الخط خط الظل، فيبنى عليه المحراب.

ثم إن قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} الآية، أمر لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، لما تقدم أمره بذلك، أراد أن يبين أن حكمه وحكم أمته في ذلك واحد، مع مزيد عموم في الأماكن، لئلا يتوهم أن هذه القبلة مختصة بأهل المدينة، فبين أنهم في أيما حلُّوا من بقاع الأرض، وجب عليهم أن يستقبلوا شطر المسجد، ولما كان - صلى الله عليه وسلم - هو المتشوق لأمر التحويل، بدا بأمره، ثم أتبع أمر أمته ثانيًا، لأنهم تبع له في ذلك، ولئلا يتوهم أن ذلك مما اختص به - صلى الله عليه وسلم -، ولما حرر ذلك وقرره، بيّن أن العائبين لدينه بذلك، من أهل الكتاب عالمون بحقية هذا التحويل، وأنه من أعلام نبوته، فقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} من اليهود والنصارى، ولم يصفهم هنا بالسفه لإثبات العلم في قوله: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} أي: هذا التحويل {الْحَقُّ}، أي: ليس بعده في أمر القبلة حق آخر يرفعه أصلًا {مِنْ رَبِّهِمْ}، أضاف الرب إليهم تنبيهًا على أنه يجب اتباع الحق الذي هو مستقر، ممن هو معتن بإصلاحهم.

والمعنى: أن هؤلاء الأحبار والعلماء من أهل الكتاب، يعلمون أن التوجه نحو المسجد الحرام، هو الحق الذي فرض الله على إبراهيم وذريته، وسائر عباده بعده.

ثم إنه سبحانه جعل في سياق مُهَدِّدٍ لهم (١) مُرَجِّ له - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه تسلية لهم، وتثبيتًا وتقوية لعزائمهم، وتمكينًا حيث ختم الآية بقوله:

وما الله بغافل عما تعملون قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي، بالتاء على الخطاب، فيحتمل أن يراد به المؤمنون، لقوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، ويحتمل أن يراد به أهل الكتاب، فيكون من باب الالتفات، ووجهه أن في خطابهم، بأن الله لا يغفل عن أعمالهم، تحريكًا لهم بأن يعملوا بما علموا من


(١) في البقاعي ٢/ ٢٢١: "له" ولعل ما كتبه المؤلف هو الصواب.

<<  <   >  >>