للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دِيَارِكُمْ}، يشارك ما قبله في معانيه، فيكون معناه: لا تفسدوا فيكون الإفساد مسببًا لإخراجكم من دياركم، أو: لا يخرج بعضكم بعضًا من دياره، أو لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم، أو: لا تخرجوا أنفسكم يعني: إخوانكم، لأنكم كنفس واحدة حيث كنتم ملة واحدة.

(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} عليها، وإقرارها بذلك الميثاق وإن كان مأخوذًا على أسلافهم لكنهم لما وصلهم بواسطة التوارة، وأذعنوا لصدقه، صاروا مشاركين لِمَنْ أخذ الميثاق عليهم في زمن موسى عليه السلام، ومعنى هذا الميثاق مذكور في التوراة، في السفر الثاني منها، كما ذكر أمر المناجاة وحضورهم عند الجبل، ولشهرة التوراة اليوم استغنينا عن نقل هذا السفر هنا.

ثم إنه تعالى بين مخالفتهم لما أخذ عليهم من الميثاق مع شهادتهم به فقال:

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)}

الكلام خارج مخرج الاستبعاد لما أسند إليهم من القتل، والإجلاء والعدوان، بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم، والإشارة بهؤلاء إلى أنهم الحقيرون المقدور عليهم، المجهولون الذين لا يعرف لهم اسم ينادون به، المرجؤون الأن.

و{أَنْتُمْ} هنا مبتدأ خبره {هَؤُلَاءِ}، ثم استأنف البيان عن هذه الجملة فقال: {تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}، ولا تلتفتون إلى هذا العهد الوثيق، {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُم} أي: ناسًا مساكين من أسفالكم، فهم جديرون منكم بالإحسان لا بالإخراج من ديارهم.

<<  <   >  >>