للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

أي: أن اليهود {وَقَالُوا} لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولأصحابه من المؤمنين: {كُونُوا} يهودًا. . {تَهْتَدُوا}. وقالت النصارى: {كُونُوا. . نَصَارَى تَهْتَدُوا}، أي: تصيبوا طريق الحق، وهذا معنى قول ابن عباس، فيما رواه عنه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، أن عبد الله بن صوريا الأعور قال لرسول الله ولأصحابه: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى: مثل ذلك. فأنزل الله تعالى هذه الآية، فاحتج الله تعالى لنبيه بأبلغ حجة وأوجزها، وأكملها، وعلمها نبيه فقال: يا محمد قل للقائلين لك ولأصحابك هذا القول: تعالوا نتبع {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} التي أجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا ويقر بها بعضنا، فإن ذلك - على اختلافه - لا سبيل لنا إلى الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.

وهذه الدعوى التي ادعاها أولئك لم تزل دعواهم إلى يومنا هذا، وإلى ما بعده، ولكن اليهود لما لم يكن لهم شوكة، وكانت عادتهم البخل والشح لم يظهروها، وأما النصارى فإنهم يجاهرون بها، ويرسلون المبشرين لأجلها إلى الأقطار ويصحبونهم بالأموال الطائلة، ويفتحون المدارس في بلاد المسلمين لاتساع تلك الدعوى وبثها، ويؤلفون الكتب في الرد على القرآن وتزييفه على زعمهم، وفي الرد على الدين الإِسلامي، ويأخذون الخرافات التي حشاها جهلة المؤلفين في كتبهم، وينسبونها إلى الدين الإِسلامي طعنًا فيه، ويأتون من حشو أدمغتهم بالخرافات التي ليست من دين الإِسلام في شيء، فيقولون لهم: إن النصارى لم ترتق إلا بدينها، فلذلك عظمت دولهم، واهتدوا إلى الاختراعات العجيبة، وأما أنتم معاشر المسلمين، فإن دينكم هو الذي أخركم وجعلكم أحط الأمم قدرًا، وأعظمها فقرًا، فيروج ذلك على عباد الأوهام.

وأما من يدخل مدارسهم فيكون على ثلاثة أقسام:

<<  <   >  >>