للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، أي: كما بيّنت لكم أيها الناس واجب فرائضي عليكم من الصوم، وعرفتكم حدوده وأوقاته، وما عليكم منه في الحضر، وما لكم فيه في السفر والمرض، وما اللازم لكم تجنبه في حال اعتكافكم في مساجدكم، فأوضحت جميع ذلك لكم، فـ {كَذَلِكَ} أبين أحكامي، وحلالي، وحرامي، وحدودي، وأمري ونهيي، في كتابى وتنزيلى، وعلى لسان رسولي للناس.

ويعني بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، يقول: أبيّن لهم ذلك ليتقوا محارمي ومعاصيّ، ويتجنبوا سخطي وغضبي، بتركهم ركوب ما أبيّن لهم في آياتي، أني حرمته عليهم وأمرتهم بهجره وتركه.

ولما كان من يعبد الله تعالى بالصيام، فحبس نفسه عما تعوده من الأكل والشرب والمباشرة بالنهار، ثم حبس نفسه بالتقييد في مكان تعبد الله فيه، ممنوعًا من اللذة الكبرى بالليل والنهار، جدير أن لا يكون مطعمه وملبسه ومشربه، إلا من الحلال الخالص، الذي ينور القلب، ويزيده بصيرة، ويفضي به إلى الاجتهاد فى العبادة، فلذلك قال:

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)}.

أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، أي: بالوجه الذي لم يبحه الله ولم يشرعه، فجعل تعالى بذلك، آكل مال أخيه بالباطل، كالآكل مال نفسه بالباطل، ونظيره قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، على معنى: ولا يقتل بعضكم بعضًا، لأنه تعالى جعل المؤمنين إخوة، فقاتل أخيه كقاتل نفسه.

وكذلك تفعل العرب، تكني عن أخواتها بأنفسها، وتكني عن أنفسها بأخواتها، فتقول: أخي وأخوك، أينا أبطش؟ تعني: أنا وأنت نصطرع، فننظر أينا أشد، فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه، لأن أخا الرجل عنده كنفسه.

<<  <   >  >>