للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)}.

أي: ولنصيبنكم كذلك، إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم، هل تصبرون وتثبتون على ما أنتم عليه من الطاعة، وتسلمون لأمر الله وحكمه أم لا؟

وقال الحرالّي: الصبر الأول، أي: المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} إنما هو عن الكسل وعلى العمل، والصبر الثاني في {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} إنما هو على مصائب الدنيا، فلذلك انتظم بهذه الآيات آية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}، وتجاوز الأمور يؤخذ بها من لم يجاهد في سبيل الله، ضعفًا عن صبر النفس عن كره القتال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] فمن لم يحمله الصبر الأول على الجهاد، أخذ بأمور هي بلايا في باطنه، تجاوزها الخطاب فانعطف عليها، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ}، وهو حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها؛ {وَالْجُوعِ} وهو غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس، حتى تترامى لأجله فيما لا تتأمل عاقبته، فإذا كان على غير غلبة مع حاجة، فهو "الغرث"، فلذلك في الجوع بلاء ما، والغرث عادة جارية. انتهى.

أي: وهو بفتحتين من باب "فرح" قال في "تاج العروس": هو أيسر الجوع، وقيل شدته. وقال أيضًا: الجوع فراغ الجسم عما به قوامه، كفراغ النفس عن الأمنة التي بها قوامها فأفقدها القوامان في ذات نفسها بالخوف، وفي بدنها بالجوع، لما لم تصبر على كره الجهاد، وقد كان ذلك لأهل الصبر عليه، أهون من الصبر على الخوف والجوع. وإنما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف، حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاءهم إلى مواطنهم، من لم يمش إلى طبيبه ليستريح، جاء الطبيب لهلاكه، وشتان بين خوف المغازي للعدو في عقره، وبين خوف المحصر في أهله، وكذلك شتان بين أرزاق المجاهد وتزويده، و {خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] في سبيله لجهاده، وبين جوع المتخلف في عياله، هذا كلامه.

<<  <   >  >>