للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها معروف زائد على كل مودة، فنبه تعالى بذكر ذلك على أن السحر إذا أمكن به هذا الأمر على شدته فغيره به أولى.

أما قوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} فإنه يدل على ذلك المعنى، لأنَّه أطلق الضرر ولم يقصره على التفريق بين المرء وزوجه، فدل ذلك على أنَّه تعالى إنما ذكره لأنَّه من أعلى مراتبه. ولما أكد تعالى استغراق هذه الجملة بضروب من التأكيد، تلاه بمعيار العموم، فقال: {إلا بإذن الله} لأنَّه ربما أحدث الله عنده فعلًا من أفعاله وربما لم يحدث. ولما كان هذا الَّذي تقدم وإن كان للعامل به نفع على زعمه، فضرَّه أكبر من نفعه، أتبعه قسمًا آخر ليس للعامل به شيء غير الضر، فليس الحامل على تعلمه إلا إيثار اللحاق بإبليس وحزبِه، فقال: {ويتعلمون}، أي: من السحر ما يضرهم، لأنَّ مجرد العمل به كفر أو معصية. ثم حقق أنَّه ضرر كله لا شائبة للنفع فيه، بقوله: {ولا ينفعهم}، لأنه لا تأثير له أصلًا، أو لأنهم يقصدون به الشر، والآية تدل على أن اجتنابه أصلح، كتعلم أحكام النجوم وأشباهه، لأنه لا يؤمن أن يجر إلى الغواية.

ثم أتبع تعالى ما يعرف أنهم ارتكبوه على علم، فقال محققًا مؤكدًا: {ولقد علموا" أي: اليهود، وهذا كان لأنهم أسفه الناس، {لمن اشتراه} أي: آثره على ما يعلم نفعه من الإيمان، بأن استبدل {ما تتلو الشياطين} من كتاب الله {ما له في الآخرة} الباقية الباقي نفعها {من خلاق} أي: نصيب موافق أصلًا، والخلاق: الحظ اللائق لمن يقسم له النصيب، من الشيء، كأنه موازن به خلق نفسه وخلق جسمه.

ثم جمع لهم المذام على وجه التأكيد فقال: {ولبئسما شروا}، أي: باعوا على وجه اللجاجة {به أنفسهم}، إشارة إلى أنَّه مما أحاط بهم فاجتث نفوسهم من أصلها، فأوجب لهم الخلود في النار.

ثم قال، بعد إثبات العلم لهم: {لو كانوا يعلمون}، أي: لو كان لهم قابلية لتلقي واردات الحق، إشارة إلى أن هذا لا يقدم عليه من له أدنى علم، فعلمهم الَّذي أوجب لهم الجرأة على هذا عدم، بل العدم خير منه.

<<  <   >  >>