للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ختم الرد بقوله: {ولكن لا يشعرون} أي: لم يحصل لهم شعور بأنهم كذلك، لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح، فالشعور ذاهب عنهم، والتفريق بين الرشاد والغي ليس من شأنهم، ولا من شأن من كان على شاكلتهم، في كل زمان ومكان.

والآية وإن كان ظاهرها التنديد بأفعال المنافقين، الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها شاملة لكل من حذا حذوهم وسلك طريقهم، وقد أشار "سلمان الفارسي" إلى هذا المعنى فيما روي عنه من قوله: "لم يجيء هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات بعد" ومعناه: أن أصحاب هذه الصفة لم ينقرضوا، بل كلما ذهب فوج منهم خلفه فوج آخر، وإذا تأملت سبيل الوجود، وسنة الله في خلقه، وجدت هؤلاء في كل زمان، ولم تتأخر الأمم ويأتيها الفساد إلا من جهتهم، ثم إن المصلحين إذا فاتحوهم بالنصيحة قالوا: إنما نحن مصلحون، وهم لعدم شعورهم يعتقدون الفساد إصلاحًا، والغيّ نجاحًا، فإذا قبّح لهم أحد ما كانوا عليه لبعده من الصواب، وجره إلى الفساد والفتنة، أو بضرهم بالطريق المستقيم، وأنه في اتباع ذوي العقول، وفي الدخول في عدادهم، قابلوا النصيحة بالتسفيه والتجهيل، فما أشد ضررهم على الأمة، وما أعظم ما يجرونه إليهم من الضرر وتخريب البلاد.

ولما بيّن سبحانه وتعالى حالهم إذا أمروا بالصلاح العام، بين أنهم إذا دُعوا إلى الصلاح الخاص، الذي هو قبل كل صلاح، حملتهم الجلافة على النفور وعدم الانقياد، فسموا سفهاء فقال:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)}.

والمعنى: أنه إذا قيل لهم: {آمنوا} ظاهرًا وباطنًا، {كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء} الذين استدرجهم إلى ما دخلوا فيه، بعد ترك ما كان عليه آباؤهم، كان ذلك منهم لخفة نشات عن ضعف عقولهم، فحصر سبحانه السفه فيهم، حيث قال: {ألا إنهم هم السفهاء} لا غيرهم، لجمودهم على

<<  <   >  >>