للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى {إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: ١٦٣]، ولكن ليست هذه الدلائل إلا {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، فأولئك هم الذين يطرحون التعصب جانبًا، ويدأبون على إدراك الحقيقة، ثم إذا جعلوا المذكورات دلائل تدلهم على الهدى والصراط المستقيم، أوصلتهم إلى النتيجة الصحيحة، وهي: أن الخالق لها، هو الإله الذي {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}.

وأدرج تعالى في غضون ذلك فن الاجتماع البشري، المعبر عنه بعلم العمران، أو سياسة المدينة أو المدنية، وذلك في قوله تعالى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} فأرشد تعالى إلى أن هذا من جملة الدلائل الدالة على وجوده، وإفراده بالوحدانية، كما سنشرحه أثناء الكلام على هذه الآية.

فقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} أي: في النظر في تركيب أجرامها، وائتلاف أجزائها، وإبداعها ذلك الإبداع الغريب، {لَآيَاتٍ}، فالآية تدل على أنه لا بد من الاستدلال على وجود الصانع بالدلائل العقلية، وأن التقليد ليس طريقًا البتة إلى تحصيل هذا الغرض، وكم فى القرآن من آيات تدل على ذلك، وتشير إليه.

وقد حكى ابن الخطيب في تفسيره "مفاتيح الغيب": أن عمر بن الخيام، كان يقرأ كتاب "المجسطي" على عمر الأبهري، فقال له بعض الفقهاء يومًا: ما الذي تقرؤه؟ فقال: أفسر آية من القرآن، وهو قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: ٦] فأنا أفسر كيفية بنيانها، قال ابن الخطيب: ولقد صدق الأبهري فيما قال، فإن كل من كان أكثر توغلًا في بحار مخلوقات الله تعالى، كان أكثر علمًا بجلال الله وعظمته. انتهى.

فأما ترتيبها فمما وقفت فيه العقول حيرى، فبذل المتقدمون جهدهم، حتى حصروا الأفلاك في سبع على عدد النجوم السيارة، وأثبتوا بالطرق العلمية أن كل أسفل يكسف الأعلى من تلك الكواكب، وبتلك الطريقة عرفوا الأعلى من

<<  <   >  >>