للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكوينها وتخليقها، إلا من كان مخالفًا لها في الذات والصفات، وذلك هو الصانع الحكيم سبحانه وتعالى.

وقد يدعي متفلسفة زمننا، أن في الماء طبيعة مؤثرة، وفي الأرض طبيعة قابلة، فإذا اجتمعا حصل الأثر من تلك القوى، فما وجه نسبة الإيجاد إلى الله تعالى؟ ؟

فنقول:

إن وجود تلك الآثار على هذه الصفة، لا ينافي كونه بإيجاد الله تعالى، لأنه هو الموجد في الماء تلك الطبيعة، وفي الأرض تلك القابلية، كما يشير إليه ضمير {بِهِ} العائد إلى الماء، في قوله: {فَأَخْرَجَ بِهِ} أي: بالماء.

فإن ادعى القائل نسبة الإخراج إلى طبيعة الماء، وقابلية الأرض قلنا له: هل هذه الطبيعة وتلك القابلية، وجدتا بأنفسهما؟ أم بإيجاد موجد، فإن قال: وجدتا بأنفسهما، قلنا: هذا ترجيح بلا مرجح، لم لا يجوز أن يكون النبات وجد نفسه، وكانت الأرض سكنًا له لاحتياجه إلى مكان يستقر به؟ وإن قال: إنهما وجدتا بإيجاد موجد، نقلنا الكلام إلى ذلك الموجد، وقلنا: لا يخلو إما أن يكون وجد بنفسه أم لا؟ فإن كان الأول، انقطع النزاع وعاد الأمر إلى تسليم الخالق الفعال لما يريد، وإن كان الثاني توقف الموجد على موجد، وهكذا، فيدور الأمر أو يتسلسل، والدور والتسلسل باطلان، فما لزم منهما باطل.

على أنه سيمر بك في هذا الكتاب ما هو أوضح من هذا وأوسع مجالًا.

وقد يشكل قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}، وغيره من الآيات المشابهة لها، على بعض علماء الهيئة من جهة كونه يقتضي نزول المطر من السماء، فيقول: الأمر ليس كذلك، لأن الأمطار إنما تتولد من أبخرة ترتفع من الأرض، وتتصاعد إلى الطبقة الباردة من الهواء، فتجتمع هناك بسبب البرد، ثم تتقاطر بعد اجتماعها وذلك هو المطر، فيقال له: قد علمت مما سبق أن العرب تطلق السماء على كل ما سما، أي: علا، وحيث إنه يصح إطلاق السماء على

<<  <   >  >>