للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعمل، لا جرم أمر الله المؤمنين بقوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية، يدعوهم بها إلى أن يكونوا في مقدمة الأمم في إصلاح النوع الإنساني كله، الذي لم تبعث به أمة من الأمم قبلهم، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة" (١). فكل نبي من الأنبياء كان يبعث إلى إصلاح أمته، ونبينا بعث لإصلاح جميع الأمم، ولا يمكن ذلك الإصلاح إلا بالدين الفطري الأصلي، والتسليم لنبوة سائر أنبياء الله تعالى، من أي أمة كانوا، وفي أي زمان وجدوا.

وهذا المعنى كان نصب أعين الصحابة رضوان الله عليهم، فلذلك جدوا بما كانوا يجدون فيه، ولأجله كان انتهاء سائر الأديان إلى هذا الدين، كما ورد في الحديث: "لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي" (٢)، وهذا سر ما ورد من أنه - صلى الله عليه وسلم -، صلى بالأنبياء إمامًا ليلة المعراج، ولذلك كان هذا الدين هو النقطة الجامعة لكل الأمم على السواء، لأن مبناه الإيمان بالله، وهو بلا شك إله السماوات والأرض وما بينهما، والإيمان بسائر رسله الذين أرسلهم إلى الأمم، وعدم التعصب لنبي دون نبي، فأي عذر بعد هذا لهندي أو لصيني أو لإفريقي أو لأوربي، وغيرهم في عدم اتباعهم هذا الحق المبين، والبرهان الطاهر الظاهر، وأي حجة لهم في تعصب كل منهم لتصديق نبي دون نبي.

واعلم: أن من يلاحظ حالة الحياة الاجتماعية العمومية اليوم، ويحصل له إلمام باشتباك المصالح التجارية ببعضها، ويعلم مقدار تأثير الروابط الاقتصادية بين الأمم في وجود الاتفاق، والاتحاد بينها، يعلم تبعًا لذلك: أن ذلك التقرب سيكسر من شَرَه التعصبات الدينية الذميمة، ويمحو من بينهم تلك الأحقاد الاعتقادية الموروثة، ولا يمكن للإنسان أن يتخيل نقطة جامعة يرضى بها الكل على السواء، إلا بتصديق كل أمة بأنبياء جاراتها وبكتابها المنزل عليها، فما أبدع الإشارة بقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية.


(١) أخرجه البخاري (٤٣٨) من حديث جابر.
(٢) هو حديث حسن كما في "المشكاة" (١٧٧ - طبعة المكتب الإِسلامي).

<<  <   >  >>