للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان على يسير من المال سمي: قناعة. وضده: الشره.

وقد جمع الله في كتابه أقسام ذلك، وسمى جميعها صبرًا، فقال:

{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} أي: المصيبة.

{وَالضَّرَّاءِ}، أي: الفقر.

{وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: ١٧٧] أي: المحاربة.

قال القفال: ليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه، ولا أن لا يكره ذلك، إنما هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع، وإن ظهر دمع عين، أو تغير لون، ولو ظهر منه أول، ما لا يعد معه صابرًا، ثم صبر، لم يعد ذلك سلوانًا.

هذا وقد دلت هذه الآية، على أن كل هذه المحن من الله تعالى، خلافًا لما يقوله الثنوية: الذين ينسبون الأمراض وغيرها إلى شيء آخر.

وخلافًا لقول المنجمين: الذين ينسبونها إلى سعادة الكواكب ونحوسها.

وقال أبو بكر الرازي: اشتملت الآية على حكمين، فرض ونفل.

أما الفرض: فهو التسليم لأمر الله، والرضا بقضائه، والصبر على أداء فرائضه، لا يصرف عنها مصائب الدنيا.

وأما النفل: فإظهار القول: بـ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فإن في إظهاره فوائد جزيلة، منها: أن غيره يقتدي به إذا سمعه، ومنها: غيظ الكفار، وعلمهم بجده واجتهاده في دين الله، والثبات عليه وعلى طاعته، انتهى.

وفي قوله تعالى: {أُولَئِكَ} التي هي أداة البعد، إشارة إلى علو مقام المشار إليهم، وعزَّ مرامهم، ولذا عبر عن هدايتهم بالجملة الإسمية على وجه يفهم الحصر، والصلاة: الإنعام بما يقتضي التشريف، والرحمة: الإنعام بما يقتضي العطف والتحنن، والله الموفق.

<<  <   >  >>