للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الساحر، هل يجب قتله أم لا؟ فقال بعضهم بالوجوب، وقال بعضهم: هو كافر، وفصل بعضهم فقال: إذا اعترف بأنه قتل شخصًا بسحره، وبأن سحره إنما يقتل غالبًا، وجب عليه القود، ولم ينكره أحد، فكان إجماعًا، كذا قاله الآمدي.

الأمر الثالث: دلت الآية على أن السحر نوعان: منه ما يؤثر عن الشياطين، ومنه ما يتوصل إليه بسبب علوم لم تكن موضوعة له خاصة، كالذي أنزل على الملكين ببابل. وقد قسم العلماء السحر إلى أقسام:

أولها: سحر "الكلدانيين" وهم: أهل بابل، و"الكسدانيين" وهم: النبط الذين كانوا في قديم الدهر، وهم قوم يعبدون الكواكب، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم، ومنها تصدر الخيرات والشرور، والسعادة والنحوسة، وهم الذين بعث الله إبراهيم عليه السلام مبطلًا لمقالتهم ورادًا عليهم في مذاهبهم، وكان لهم في هذا النوع تآليف وآثار قد وصل إلى علماء هذه الملة منها النزر اليسير، فأخذوا منه فن أحكام النجوم، وصور الدرج، والكواكب والسيمياء والكيمياء.

وأكثر من اعتنى بتخليص ذلك وضبط قواعده "مسلمة بن أحمد المجريطي الأندلسي" في كتابه الَّذي سماه "غاية الحكيم".

ثانيها: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، وعلله الرئيس ابن سينا في "الشفاء"، بأن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية، وذلك أن الوهم إذا تسلط على شيء أثر فيه تأثيرًا ظاهرًا.

وعندي لذلك تعليل أسمِّيه بالكهربائية النفسانية، وذلك أن الهمة إذا سلطت على شيء اهتمامًا تامًا، انفصل من صاحب تلك الهمة مغناطيس جذاب، فاتصل بالشيء التي وجهت الهمة نحوه فحصل له الجذب والانفعال، وتصرف الجاذب بالمجذوب تصرفًا قهريًا له، وهذا يشبه اتصال العاشق بالمعشوق، فإن المعشوق لما كانت كهربائيته أقوى، جذب العاشق جذب ملك وقهر، وتلك الكهربائية لا ينكر وجودها في الأجسام إلا من ليس له اطلاع على هذا الفن، وعسانا أن نوضح هذا ونثبته في مكان آخر، ومن هذا النوع ما يسمى في زمننا بالتنويم المغناطيسي الَّذي اشتهر عند كثير من الناس.

<<  <   >  >>