وهم براء من ذلك، وسيمر بك إن شاء الله تعالى، كثير من تحريفهم في هذا الكتاب، لتتبصّر وتتأمّل مفترياتهم.
ويشهد لهذا الوجه من التفسير ما أخرجه عبد ابن حميد، عن قتادة قال في هذه الآية: منهم أصحاب محمد الذين آمنوا بآيات الله وصدقوا بها. وعن ابن مسعود: والله إن {حق تلاوته}: أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرفه عن مواضعه. وقال عمر بن الخطاب: لقد مضى بنو إسرائيل، وما يعني بما تسمعون غيركم.
ولما طال المدى في استقصائه كفرهم بالنعم، ثم في بيان عوارهم، وهتك أستارهم، وختم ذلك بالترهيب بخسارهم، لتضييع أديانهم بأعمالهم، وأحوالهم وأقوالهم، أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم، والتحذير من حلول النقم، فقال:
تقدم لبني إسرائيل تذكير بهذا المعنى، والتكرار هنا مبالغة في نصحهم، وإيقاظ لحميتهم، وقوله تعالى:{ولا يقبل منها عدل} أي: فداء يبذل في فكاكها من غير الأعمال الصالحة، وقوله:{ولا تنفعها شفاعة} أي: غير مأذون فيها، {ولا هم ينصرون} وإن كثرت جموعهم.
ولما وصل الحق تعالى بالدعوة العامة الأولى في قوله:{يآَأَيُهَا اَلنَّاسُ} ذكر أمر آدم، وافتتاح استخلافه، ليقع بذلك الناس كافة في طرفين، في اجتماعهم، في أب واحد، ولدين واحد، نظم بذلك وصل خطاب أهل الكتب، بذكر إبراهيم ليقع بذلك اجتماعهم أيضًا في أب واحد، وملة واحدة، اختصاصًا بتبعية الإمامة الإبراهيمية، من عموم تبعية الخلافة الآدمية، تنزيلًا للكتاب، وترفيعًا للخلق إلى علو اختصاص الحق.