للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو متبعونا، لا يزيد على ذلك، فهو كالنعم السارحة، {لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}.

وقال سيبويه في تفسير الآية: ومثلك يا محمد، {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ} الناعق والمنعوق به. فعلى قوله يكون المعنى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وداعيهم، كمثل الغنم والناعق بها، ولك أن تجعل هذا من التشبيه المركب، وأن تجعله من التشبيه المفرق، فإن جعلته من المركب، كان تشبيهًا للكفار في عدم فقههم وانتفاعهم، بالغنم التي ينعق بها الراعي، فلا تفقه من قوله شيئًا غير الصوت المجرد، الذي هو الدعاء والنداء؛ وإن جعلته من التشبيه المفرق، فالذين كفروا بمنزلة البهائم، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها، ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء، كإدراك البهائم مجرد صوت الناعق. وأما النعيق: فهو دعاء الراعي وتصويته بالغنم. قال الشاعر:

فَانْعَقْ بِضَأنِكَ، يا جَرِيُر، فَإنّما ... منَّتْكَ نَفْسُكَ في الخَلاءِ ضَلالا (١)

ويقال: نعق المؤذن (٢). ويقال: نعق ينعق، نعيقًا ونعاقًا ونعقًا؛ وأما "نغق الغراب" فبالغين المعجمة، وقيل أيضًا: يقال بالمهملة في الغراب؛ نقله أبو حيان في "البحر".

ولما شبه تعالى الكفار بالبهائم، زاد في تبكيتهم فقال: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} لأنهم صاروا بمنزلة "الصم"، في أن الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه؛ وبمنزلة "البكم"، في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه؛ وبمنزلة "العمي"، من حيث إنهم أعرضوا عن الدلائل، فصاروا كأنهم لم يشاهدوها. و"صم" مرفوع خبر لمبتدأ محذوف.

وقوله: {فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} المراد به العقل الاكتسابي، لأن العقل المطبوع كان حاصلًا لهم، فإن العقل عقلان: مطبوع، ومسموع، ولما كان طريق اكتساب


(١) "شعر الأخطل" الصفحة ٥٠، و"لسان العرب المحيط" ٣/ ٦٧٢.
(٢) هذا الأصل في النعيق، وأما ما تعارف الناس من أنه للغراب فقط، وأنه دليل شؤم وتطير، فلا أصل له، واستعمال الكلمات في ما اختصت به مؤخرًا لا يعطل استعمالها لما وضعت له أولًا، وهذا كثير في كلام العرب.

<<  <   >  >>