للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال في "البحر": لحظ الزمخشري في هذا القول تمام التشبيه من كل جهة، فكما أن المنعوق به {لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}، فكذلك مدعو الكافر من الصنم، والصنم لا يسمع، فضعف عنده هذا القول.

ونحن نقول: التشبيه وقع في مطلق الدعاء، لا في خصوصيات المدعو، فشبه الكافر في دعائه الصنم، بالناعق بالبهيمة، لا في خصوصيات المنعوق به، انتهى.

وما قاله ربما يكون صحيحًا من جهة البلاغة، وأما من جهة ما سبق الكلام، فقد يرتقي إلى درجة البطلان، وذلك أن ما قبل هذه الآية، وما بعدها يدل على أنها نزلت في اليهود، وإياهم عنى الله بها، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها، ولا أهل أصنام يعظمونها، ويرجون نفعها، أو دفع ضررها، فلا وجه حينئذ للتأويل الذي أوّله في "البحر".

وقال ابن زيد، فيما رواه الطبري عنه، في قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، هو الرجل الذي يصيح في جوف الجبال، فيجيبه فيها صوت يراجعه، يقال له: الصدى، فمثل آلهة هؤلاء لهم، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت، لا ينفعه، {لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}. قال: والعرب تسمي ذلك الصدى.

فالفاعل على هذا في قوله: {لَا يَسْمَعُ} ضمير عائد على {الَّذِي يَنْعِقُ}، ويكون الضمير العائد على "ما" الرابط للصلة بالموصول محذوفًا لفهم المعنى، تقديره: {بِمَا لَا يَسْمَعُ} [منه] (١)، لكن يعارضه أنه ليس فيه شروط جواز الحذف، لأن الضمير مجرور بحرفٍ جُرَّ الموصول بغيره.

ويجوز أن يقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم، {كَمَثَلِ} الراعي إذا تكلم مع البهائم، فكما أن الكلام مع البهائم عبث عديم الفائدة، فكذا الكلام مع المقلد، لا يعود بفائدة لأنه لا دليل له، ولا برهان يرجع إليه، بل قصارى أمره أن يقول: إنا {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ} رؤساءنا، أو {آبَاءَنَا}،


(١) زيادة لازمة من "البحر".

<<  <   >  >>