للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينال إلا بمجاهدات لا يطيقها البشر، ولا تدرك أصلا إلا بجد تطهره العزة، وترتيب أبرمته الحكمة، هذا لمطلق ذلك، فكيف بما يصلح منه للرسالة، وفيه إشارة إلى أنه يكبت أعداء الرسل، وإن زاد عددهم، وعظم جدهم، ويحكم أمورهم، فلا يستطيع أحد نقض شيء منها.

ودلت الآية على أنه سيكون في تلك الذرية الإبراهيمية الإسماعيلية جهال لا حكمة فيهم، ولا كتاب، وأن الشرك ينجسهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨]، وأنه تعالى يبعث فيهم رسولًا منهم يطهرهم، ويجعلهم حكماء الأرض بعد جهلهم.

ولما ذكر إبراهيم عليه السلام ما ذكر في الآيات السابقة، عجب الناس فقال:

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)}.

هذه الآية توبيخ لليهود وللنصارى، ولمشركي العرب، وإنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم، وذلك لأن اليهود إنما يفتخرون به ويتوصلون بالوصلة التي بينهم وبينه، من نسب إسرائيل، والنصارى ليس افتخارهم إلا بعيسى، وهو منتسب من جانب الأم إلى إسرائيل، وأما قريش، فإنهم إنما نالوا كل خير في الجاهلية بالبيت الذي بناه، فصاروا لذلك يدعون إلى كتاب الله وسائر العرب وهم العدنانيون، مرجعهم إلى إسماعيل، وهم يفتخرون على القحطانيين بإسماعيل بما أعطاه الله من النبوة، فرجح عند التحقيق افتخار الكل بإبراهيم عليه السلام.

ولما ثبت أن إبراهيم هو الذي طلب من الله بعثة هذا الرسول، وهو الذي تضرع إلى الله في تحصيل هذا المقصود، فالعجب ممن أعظم مفاخره وفضائله الانتساب إلى إبراهيم، ثم إنه لا يؤمن بالرسول الذي هو دعوته، ومطلوبه

<<  <   >  >>