للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسقوا، بجْعَل "الـ" موصولة، فكأنه قيل: وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهد الله مرارًا كثيرة، واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا، وكم عاهدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفوا، كما أخبر عنهم تعالى بقوله: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: ٥٦] سعيًا في التفرقة، وهكذا حال كل من نبذ عهد الله وشرعه، فإنه لا يستقيم على حالة، ولا يرى إلا غادرًا كاذبًا مخادعًا، مراوغًا، ولقد قص تعالى علينا نبأ أولئك اليهود، يحذرنا من أن نصنع مثل صنعهم، فيحيق بنا ما حاق بهم من العذاب.

وقوله: {نبذه}، النبذ الرمي بالذمام وطرحه محتقرًا له، والاستفهام في هذه الآية، للإنكار وإعظام ما يقدمون عليه، والمراد بالعهد هنا ما له تعلق بما تقدم ذكره، فيحمل نقضه على ترك ما تضمنته الكتب المتقدمة والدلائل العقلية، من صحة القول ونبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن جريح: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدًا.

وقوله تعالى: {بل أكثرهم لا يؤمنون}، يحتمل أن يكون معناه، أكثر أولئك الفساق لا يصدقون بك أبدًا لحسدهم وبغيهم، وأن يكون {أكثرهم لا يؤمنون}، أي: لا يصدقون بكتابهم، لأنهم كانوا في قومهم كالمنافقين مع الرسول، يظهرون لهم الإيمان بكتابهم وبرسولهم، ثم لا يعملون بموجبه ومقتضاه.

ثم إنه تعالى أتبع هذا الإنكار ذكر الكتاب والرسول، كما فعل في الإنكار الأول، غير أنَّه صرح هنا بما طواه هناك فقال:

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١)}.

أي: {ولما} جاء علماء اليهود وعلماؤها من بني إسرائيل، {رسول}، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - {من عند الله مصدق لما معهم}: وصف الرسول بأنه {من عند الله} وبأنه {مصدق} تفخيمًا لشأنه، إذ الرسول على قدر المُرسل، وهذا

<<  <   >  >>