للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تذكارهم بتعداد نعم الله عليهم، ونقمه منهم، ليزدجر الأخلاف بما حل بالأسلاف.

وتفسير الآية: {وإذ أخذنا ميثاقكم} على السمع والطاعة، {ورفعنا فوقكم الطور} الجبل العظيم الَّذي جعلناه زاجرًا لكم عن الرضا بالإقامة في حضيض الجهل، ورافعًا إلى أوج العلم، وقلنا لكم وهو فوقكم: {خذوا ما آتيناكم بقوة}، ولما كانت فائدة السماع القبول، ومن سمع فلم يقبل كان كمن لم يسمع، قال: {واسمعوا}، وإلا جعلنا هذا الجبل مدفنًا لكم، وذلك حيث يكفي غيركم في التأديب رفع الدرة والسوط عليه، فينبعث للتعلم الَّذي أكثر النفوس الفاضلة تتحمل فيه المشاق الشديدة لما له من الشرف، ولها به من الفخار، وفي هذا دلالة على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد.

وفي قوله تعالى مخبرًا عنهم، {قالوا}: التفات، إذ لو جاء على الخطاب لقال: قلتم، ولما ضلوا بعد هذه الآية الكبرى، وظهر أن العناد لهم طبع لازم، قال تعالى مترجمًا عن أغلب أحوال أكثرهم: {قالوا سمعنا وعصينا}، أي: وعملنا بضد ما سمعنا، وساق تعالى قولهم ذلك لغرابته مساق جواب سؤال سائل، فكأنه قال: رفع الطور فوقهم أمر هائل جدًا، مقتض للمبادرة إلى إعطاء العهد ظاهرًا وباطنًا والثبات عليه، فما فعلوا؟ فقيل: بادروا إلى خلاف ذلك. وعندي أن في الآية إشارة إلى أن أولئك القوم، لم يعرفوا الله تعالى معرفة لائقة بجلال عظمته، لأنهم لو عرفوه كذلك، لما احتاجوا إلى هذا التخويف، ولكن لما كانت قلوبهم خالية من معرفته، تلقت قلوبهم محبة غيره، كما يدل عليه قوله تعالى مخبرًا عنهم: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} أي: وأشربوا حب عبادة العجل بسبب كفرهم، أي: إن حبه والحرص على عبادته دخل قلوبهم كما يتداخل الصبغ الثوب، كما قال الشاعر (١):

إذا ما القلب أُشرب حب شيءٍ ... فلا تأملْ له عنه انصرافا


(١) هو من شواهد "البحر المحيط" دون نسبة.

<<  <   >  >>