للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبعض أسباب له، والبعض أسجدهم لأبيهم، وهم في صلبه، والبعض جعل لهم وظائف مختلفة ككتابة الأعمال، لم يكونوا أهلًا لفهم هذا الخطاب حق فهمه، فأعلم سبحانه وتعالى رسوله كأنه يقول له: إن هذا لا يفهمه حق فهمه عنا سواك، وهم إلى الفهم عنك أقرب، فاذكر لهم ما كان في بدء خلقهم: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ ... } وسياق الكلام هنا، إنما هو لإيراد الرفق والبشارة على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعطافًا لهم إليه وتحبيبًا فيه.

ولما علمت الإشارة، لكن لأهل البصيرة، أتبعها قصة آدم عليه السلام، دليلًا ظاهرًا ومثالًا بينًا لخلاصة ما أريد بهذه الجملة، من أن النوع الآدمي هو المقصود بالذات من هذا الوجود، وأنه لا يجوز في الحكمة أن يترك بعد موته من غير إحياء، يرد به إلى دار لا يكون في شيء من أمورها من أحد نوع من الخلل، وتكون الحكمة فيها ظاهرة تمام الظهور، لا خفاء بها أصلًا، ولذلك ذكر تفصيل آدم بالعلم، ثم بإسجاد الملائكة له، ثم بإسكانه الجنة، ثم بتلقي أسباب التوبة عند صدور الهفوة، ومن هنا يظهر سر العطف بالواو، الذي هو حرف يجمع ما بعده مع شيء قبله إفصاحًا باللفظ، أو إفهامًا في المعنى، حيث قال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} أي: المحسن إليك برحمته، العباد بك. و "الملائكة": جمع ملك، ويقال في حقيقتهم: إنهم أجسام لطيفة هوائية، تقدر على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السماوات، وهذا قول أكثر المسلمين، حكاه صاحب "مفاتيح الغيب" وغيره.

ومن المعلوم: أن الأمم مختلفون في وجود الجن والملائكة، والمثبتون لهم مختلفون أيضًا في حدهم وتعريفهم، فأما المثبتون لهم فطائفتان:

طائفة ذهبت إلى أن الكتب السماوية نصت على وجودهم نصًا لا ريب معه، ولا سيما الكتاب العزيز، فإنه حكى أصنافهم وأوصافهم.

أما أصناف الملائكة فحكي: أن منهم حملة العرش والحافين حوله، وصرح باسم {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨]، اللذين هما من أكابرهم، وأن منهم ملائكة الجنة، وخزنة النار، والموكلين ببني آدم، وكتبة الأعمال، {وَالصَّافَّاتِ}، وهم الموكلون بأحوال هذا العالم.

<<  <   >  >>