للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغات التي ينطق بها أولاده إلى آخر الدهر. ومن قائل: إنه علمه أسماء الملائكة كلهم. ومن قائل: إنه علمه أسماء ذريته أجمعين. وأنت خبير بأن حمل الأسماء على سائر اللغات لا يصح، لأنه يؤدي إلى أن آدم تكلم بجميع اللغات التي يتكلم بها جميع الناس إلى يوم القيامة، وأن تلك اللغات اتصلت إلى أولاده فلا يتكلمون إلا بها، وهذا كذب ظاهر، فإن آدم لا يصح في العقل أن ينقل عنه إلا بنوه، وقد أغرق الله عام الطوفان جميع ذريته إلا من حملته السفينة، وأهل السفينة لم يبق من ذريتهم إلا ذرية نوح، ولم يكونوا يتكلمون بجميع ما تكلمت به الأمم بعدهم، فإن اللغة الواحدة كالفارسية، والعربية، والرومية، والتركية فيها من الاختلاف والأنواع ما لا يحصيه إلا الله، والعرب أنفسهم لكل قوم منهم لغات لا يفهمها غيرهم، فكيف يتصور أن ينقل هذا جميعه عن أولئك الذين كانوا في السفينة، وأولئك جميعهم لم يكن لهم نسل وإنما النسل لنوح، وجميع الناس من أولاده الثلاثة: سام، وحام، ويافث، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)} [الصافات: ٧٧] فلم يجعل باقيًا إلا ذريته، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أولاد نوح ثلاثة" (١)، ومعلوم: أن الثلاثة لم ينطقوا بهذا كله، ويمتنع نقل ذلك عنهم، فإن الذين يعرفون هذه اللغة لا يعرفون هذه، وإذا كان الناقلون ثلاثة، فهم قد علموا أولادهم، وأولادهم علموا أولادهم، ولو كان كذلك لاتصلت، ونحن نجد بني الأب الواحد يتكلم كل قبيلة منهم بلغة لا تعرفها الأخرى، والأب الواحد لا يقال: إنه علم أحد ابنيه لغة، وابنه الآخر لغة، فإن الأب قد لا يكون له إلا ابنان، واللغات في أولاده أضعاف ذلك، والذي أجرى الله عليه عادة بني آدم، أنهم إنما يعلمون أولادهم لغتهم التي يخاطبونهم بها أو يخاطبهم بها غيرهم، فأما لغات لم يخلق الله من يتكلم بها،


(١) ينظر "مسند الإمام أحمد" ٥/ ١٠ (٢٠٠٥٦) عن سمرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سام أبو العرب، ويافث أبوالروم، وحام أبو الحبش" وقال رَوح ببغداد مِنْ حفظه: "ولد نوح ثلاثة: سام، وحام، ويافث" والحديث ٥/ ٩ (٢٠٠٤٢).
وكتاب "الإيمان" لابن تيمية تخريج الألباني إشراف زهير الشاويش الصفحة ٧٧ الطبعة الخامسة طبع المكتب الإسلامي.

<<  <   >  >>