للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإتيان بمثل هذا القرآن، كذلك هو ومن في عصره لم يقدروا على المعارضة ولم يفعلوا ولن يفعلوا، ويوضحه أنه من أيامه عليه الصلاة والسلام، إلى عصرنا هذا، لم يخل وقت من الأوقات ممن يعادي الدين والإسلام، وتشتد دواعيه في الوقيعة فيه، ثم إنه مع هذا الحرص الشديد، لم توجد المعارضة قط، وهذا يدل على فساد قول الجهال الذين يقولون: إن كتاب الله لا يشتمل على الحجة والاستدلال.

وههنا لطيفة لغوية، وهي: أنه لو قيل إن المقام في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} "إذا" لأنها للجزم في المعنى، دون {إِنْ} التي هي للشك، فلِمَ لَمْ يؤت بإذا، ويقال: وجه العدول عن "إذا" إلى "إن" إنما هو للتهكم بهم، وكما يقول الموصوف بالقوة، الواثق من نفسه بالغلبة، على من يقاومه: إن غلبتك ماذا تفعل؟ وهو يعلم أنه غالبه، ولكنه يقول له ذلك تهكمًا به، ولأن يساق القول معهم على حسب حسبانهم، فإنهم كانوا بعد غير جازمين بالعجز عن المعارضة، هم وكل من أتى على شاكلتهم لاتكالهم على فصاحتهم، واقتدارهم على الكلام.

ووجه اتصال {فَاتَّقُوا النَّارَ}، وفائدة اشتراطه يظهر من ترتيب مقدماته، وهي: أنهم إذا ظهر عجزهم عن المعارضة، صح عندهم صدق الرسول، وإذا صح ذلك، ثم لزموا العناد، استوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، وهذا هو الإيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة، وفيه تهويل لشأن العناد، وإنابة اتقاء النار منابه، متبعًا ذلك بتهويل صفة النار وتفظيع أموها.

والوَقود: ما ترتفع به النار، وهو بفتح أوله الحطب، وبضمه الاتقاد.

والمعنى: أنها نار ممتازة عن النيران، بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، فهي لإفراط حرها تتقد في الحجر، فليست كنار الدنيا التي نشاهدها، لأن سائر النيران إذا أريد إحراق الناس بها، أو إحماء الحجارة، أوقدت أولًا بوقود، ثم طرح فيها ما يراد إحراقه أو إحماؤه، وتلك أعاذنا الله منها برحمته الواسعة، توقد بنفس ما تحرق.

وفي الآية إشارة إلى أمرين:

<<  <   >  >>