للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوليائه, وضده في أعدائه، ويتميز أهل الجنة بذلك من أهل النار، فلا جرم كان ذلك من أعظم الوعيد، {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} لما أوقعوا فيه الناس من التعب، بكتمهم عنهم ما يقيمهم على الواضحة البيضاء، والصراط السوي.

وقد علمت مما سبق أن هذه الآية، وإن قال المفسرون: إنها نزلت في اليهود, لكنها عامة في حق كل من كتم شيئًا من باب الدين يجب إظهاره، فتصلح لأن يتمسك بها القاطعون بوعيد أصحاب الكبائر.

ولما وصف تعالى علماء اليهود، ومن كان على شاكلتهم بكتمان الحق، وعظم في الوعيد عليه, وصف ذلك الجرم ليعلم أن ذلك العقاب إنما عظم لهذا الجرم العظيم، فقال:

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)}.

اعلم: أن الفعل: إما أن يعتبر حالة في الدنيا، وإما في الآخرة. أما في الدنيا فأحسن الأشياء الاهتداء والعلم، وأقبح الأشياء الضلال والجهل، فلما تركوا الهدى والعلم في الدنيا، ورضوا بالضلال والجهل، فلا شك أنهم في نهاية الخيانة في الدنيا، وأما في الآخرة فأحسن الأشياء المغفرة، وأخسرها العذاب، فلما تركوا المغفرة، ورضوا بالعذاب، فلا شك أنهم في غاية الخسارة في الآخرة، وإذا كانت صفتهم على ما ذكرناه، كانوا لا محالة أعظم الناس خسارًا في الدنيا وفي الآخرة.

وإنما حكم تعالى عليهم بأنهم اشتروا العقاب بالمغفرة, لأنهم لما كانوا عالمين بما هو الحق، وكانوا عالمين بأن في إظهاره وإزالة الشبهة عنه أعظم الثواب، وفي إخفائه وإلقاء الشبهة فيه أعظم العقاب، فلما أقدموا على إخفاء ذلك الحق، كانوا بائعين للمغفرة بالعذاب لا محالة.

<<  <   >  >>