أجمع أهل التفسير على أن اليهود قالوا: جبريل عدونا، واختلفوا في كيفية ذلك، فروى ابن جرير وأبو داود الطيالسي، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نُعيم، والبيهقي في "الدلائل"، عن ابن عباس قال:
حضرت عصابة من اليهود، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب علي بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئًا فعرفتموه أتبايعنّي على الإسلام؟ " قالوا: ذلك لك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سلوني عما شئتم" فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى، وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة ووليه من الملائكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم عهدًا لله لئن أنا أنبأتكم لتبايعنَّي" فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، فقال:"نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه منه، فنذر لله لئن عافاه من سقمه ليحرِّمن أحب الطعام والشراب إليه؟ وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل"، قال ابن جرير: فيما أروي (١)، "وأحب الشراب إليه ألبانها"، فقالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله:"أشهد الله عليكم وأنشدتكم بالذي لا إله إلا هو الَّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظًا وأن ماء المرأة أصفر رقيقًا، فأيهما علا كان الولد والشبه بإذن الله، فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ " قالوا: اللهم نعم، قال:"اللهم اشهد" قال: "وأنشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام
(١) في الأصل تبعًا للطبري: "فيما أرى". وقال الشيخ شاكر: في المطبوعة "فيما أرى" خطأ والصواب ما أثبت.