والمراد هنا أنَّه تعالى بعدهم عن تمني الموت، من حيث إنهم يتمنون هذا البقاء، ويحرصون عليه هذا الحرص الشديد، ومن هذا حاله كيف يتصور منه تمني الموت، وأما قول من قال: إن المراد خصوص الألف سنة، وأن هذا إشارة إلى قول الأعاجم لبعضهم: عش ألف نيروزٍ أو ألف مهرجان، فهو بعيد كل البعد عن معنى الكتاب العزيز، وعن صريح الآية الكريمة.
وأورد السهيلي في "الروض الأنف" معنى آخر، وهو: أن العرب تطلق السنة على الدار، ثم أتبع هذا بقوله: فتامل هذا فإن العلم بتنزيل الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها يفتح بابًا من العلم لإعجاز القرآن، انتهى.
وهذا المعنى تساعده قراءة، لو يعمِر، بكسر الميم لو وُجدت (١).
ثم قال تعالى:{وما هو} أي تعميره. {بمزحزحه من العذاب}، أي: وما ذلك التعمير المتمنى مؤثرًا في إزالة العذاب أقل تأثير، وعبر بـ {من} دون "عن" إعلامًا بأنهم لم يفارقوا العذاب دنيا ولا آخرة، وإن لم يحسوا به في الدنيا، ثم فسر الضمير في "مزحزحه" بقوله: {أن يعمر}، أي: إنما يزحزحه من العذاب الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح، الَّذي ليس فيه تفرقة، وقوله تعالى:{والله بصير بما يعملون} يتضمن الوعيد والتهديد، والإعلام بأن علمه تعالى بجميع الأعمال، علم إحاطة وإدراك للخفيات.
ولما بين تعالى أعمالهم السابقة ذكر ما هو دقيق منها، من عراقتهم في الكفر، بعداوتهم لخواص الملائكة الذين هم خير محض، لا حامل أصلًا على بغضهم إلا الكفر، وبدأ بذكر المنزل للقرآن، لأنَّ عداوتهم للمنزل عليه من أجل ما نزل عليه عدواةٌ لمنزله، لأنَّه سبب ما كانت العداوة لأجله فقال أمرًا لنبيه، إعلامًا بما أبصره من خفي مكرهم القاضي بضرهم:
(١) إن القراءات لا تكون إلا بالمتواتر منها. والمروي دون المتواتر منها إن وجد كان قراءة شاذة. وأما افتراض قراءات بمجرد موافقة إحدى اللغات، فليس محله هنا.