للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{الحق}، أي: من صحة رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه خاتم النبيين، أُرسل إلى الناس كافة، بشهادة ما طابقه من التوراة، ثم أرشد إلى الدواء بقوله مسببًا عن الإخبار بأن ودّهم محال، وبعدم رجوعهم: {فاعفوا} أي: عاملوهم معاملة العافي، بأن لا تذكروا لهم شيئًا مما تظهره تلك الودادة الناشئة عن هذا الحسد من الأقوال والأفعال، ولا تأخذوا في مؤاخذتهم به، فإنهم لا يضرونكم ولا يرجعون إليكم {واصفحوا} أي: أظهروا لهم أنكم لم تطلعوا على شيء من ذلك، ثم حثهم على أن يكون فعلهم ذلك اعتمادًا على تفريجه سبحانه بقوله: {حتى يأتي الله بأمره} الذي لا أمر لأحد معه بأمره، فبشرهم بذلك بظهورهم على من أمروا بالعفو عنه، والصفح عنهم، ولما كان النصر- وهم في القلة والضعف بحال عظيم، وقوةُ عدوِّهم وكثرتُهم أعظمُ- مُسْتَبْعَدًا قال: {إن الله على كل شيء قدير} ففي هذا الختم بشرى للمؤمنين بتقديرهم، كما أن في الختم بالعلم بشرى بتعليمهم، وفي إفهامه نذارة للكافرين بمقابل ذلك.

ودل قوله تعالى: {من بعد ما تبين لهم الحق} على أن تلك الودادة ابتدأت من زمن وضوح الحق وتبيينه لهم، فليسوا من أهل الغباوة، الذين قد يغرب عنهم وضوح الحق، بل ذلك على سبيل الحسد والعناد، وهكذا دأبهم وشأنهم إلى الآن، فإن أحبارهم ورهبانهم يرسلون المبشرين إلى البلاد، وينفقون عليهم الأموال العظيمة لاستغواء بسطاء المؤمنين، وردهم عن دينهم، ويؤلفون الكتب في الرد على القرآن، وفي تزييفه بزعمهم، ويختلقون الأقوال فيرجعون بغير طائل، ولا يفيدهم سعيهم شيئًا يذكر، ولم تزدد حججهم إلا ضعفًا وتزييفًا.

وقوله: {حتى يأتي} أمر يدل على الأمر بالعفو والصفح عنهم، كان معنيًا بالإتيان بأمر الله، أي: فيحدث لكم من أمره فيكم ما يشاء، ويقضي فيهم ما يريد، فقضى فيهم تعالى ذكره، وأتى بأمره، لنبيه والمؤمنين به: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] فنسخ الله تعالى العفو عنهم والصفح، بفرض قتالهم على المؤمنين، حتى تصير كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة، أو يؤدوا الجزية عن يدٍ صَغَارًا، وبذلك قال: ابن

<<  <   >  >>