للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه الآية دليل على أن أخذ المال على الباطل، وإن كان بالتراضي فإنَّه محرم، لأنَّ الذي كانوا يعطونه من المال كان على محبة ورضًا، ومع ذلك فقد نبه تعالى على تحريمه.

ولما أرشد الكلام إلى أن التقدير فحرفوا كثيرًا في كتاب الله، وزادوا ونقصوا، عطفوا عليه ما بين به جرأتهم وجفاءهم، وعدم اكتراثهم بما يرتكبونه من الجرائم التي هم أعلم النَّاس بأن بعضها موجب للخلود في النَّار، فقال تعالى:

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠)}.

هذا القول على كل حال جهل منهم، ولكن يحتمل أن هؤلاء القوم كانوا على مذهب من سَلَف من الفلاسفة القائلين: "بأن الأرواح وإن صارت مكدرة بأفعال الأشباح، إلَّا أنَّها بعد المفارقة ورجوع العناصر إلى أصلها تصير إلى حظائر القدس، ولا يزاحمها شيء من نتائج الأعمال، إلَّا أيامًا معدودة بقدر فطام الأرواح عن لبان التمتعات الحيوانية، ثم تتخلص من العذاب وترجع إلى حسن المآب".

وعلى هذا يكون الرد في الآية على كل فريق انتحل هذه النحلة، واتبع هذه البدعة، وذلك ما قاله تعالى رادًا على فريق منهم: {وقالوا لن تمسنا النَّار إلَّا أيامًا معدودة} أي: منقضية، لأنَّ كل معدود منقض، وإنَّما الذي لا انقضاء له هو الذي يعسر عده، ولما ادعوا ذلك كان كأنه قيل: فبماذا نرد عليهم؟ فقال: قل منكرًا لقولهم: {أَتخدتم} في ذلك {عند الله عهدًا فلن يخلف الله عهده} أم لم يكن ذلك {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} ومعنى الإنكار في الاستفهام: أنَّه ليس واحد من الأمرين واقعًا لا أنتم اتخدتم عهدًا ولا أنتم قلتم ذلك جهلًا، بل قلتموه وأنتم تعلمون خلافه.

وفي حديث أبي هريرة عند البخاري والدارمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر لليهود: "من أهل النَّار؟ " فقالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا، فقال لهم: "اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدًا".

<<  <   >  >>