للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يدخل الجنة؟ ولأنه لما فعل ذلك بالحية فلم عوقبت الحية مع أنها ليست بعاقلة ولا مكلفة؟ وبعضهم لما علم فساد هذا القول احتال لإثباته فقال: إن إبليس كان في الأرض، وأوصل الوسوسة إليهما في السماء، وهذا قول من لم يعرف اللغة العربية، لأن الوسوسة كلام خفي، والكلام الخفي لا يمكنه إيصاله من الأرض إلى السماء، هذا وإن ابن عباس رضي الله عنه، هو إمام التفسير، وحاشاه أن يصح عنه جميع ما نسب إليه، وما ذلك إلا أن المبتدعة أرادوا أن يروجوا مذاهبهم بنسبتها إليه، وقد أخرج ابن عساكر (١) في تاريخه، في ترجمة [بُشَير] بن كعب العدوي البصري، أنه أتى ابن عباس، فجعل يحدثه، ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن عباس لا يلقي إليه مسمعه، ولا ينظر إليه، فقال له: يا ابن عباس ما لي أراك لا تصغي لحديثي، فقال له: كنا إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. فمثل ابن عباس، لا يصدق عنه تلك المفتريات التي افتراها عليه القُصاص وأرباب الجهالة.

وأما قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا} [البقرة: ٣٨] فهو خطاب لآدم وحواء، وأتى بضمير الجمع لأنه أقامهما مقام الذرية، ولما كانا أصل الذرية، جعل الهبوط لهما ولذريتهما، بدليل قوله تعالى: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه: ١٢٣] ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩)} [البقرة] وما هو إلا حكم يعم الناس. واختلف الناس في معنى الهبوط هنا، فمن قال: إن جنة آدم كانت في السماء، فسره بالنزول من العلو إلى الأسفل، ومن قال: إنها كانت في الأرض، فسره بالتحول من موضع إلى غيره، كقوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: ٦١].

وقوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} معناه: ما عليه الناس من التعادي والتباغى،


(١) قد ساقه بهذا اللفظ ابن عساكر ٣/ ٣٨٩ من طريق مسلم في صحيحه، وهو في مقدمة صحيح مسلم ١/ ١٣ في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء.

<<  <   >  >>