للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا أوصى تغير وصيته، حتى نزلت: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ}، فردّه إلى الحق".

ويؤخذ من هذا أنه إذا ظهرت وصية من رجل، قد جعلها على مقتضى ما يتصور، وجعل فيها شيئًا مخالفًا للشرع، لا يجوز إسقاط الوصية من أصلها، وإنما يجوز إثباتها وإصلاحها، فما وافق فيه الشرع أثبته الحاكم أو الوصي، ونحوهما، وما لم يوافق الموصي فيه الشرع، رُدَّ إلى الشرع، وإن من فعل ذلك لا يكون داخلًا تحت قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} الآية.

ولما أخبر تعالى أولًا بكتب القصاص، وهو إتلاف النفوس، وهو من أشق التكاليف، فيجب على القاتل إسلام نفسه للقتل؛ ثم أخبر ثانيًا بكتب الوصية، وهو إخراج المال الذي هو عديل الروح، انتقل ثالثًا إلى كتب الصيام المنهك للبدن، المضعف له، المانع والقاطع لما ألفه الإنسان من الغذاء بالنهار، فقال:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)}.

يعني تعالى ذكره بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله، وصدقوا بهما وأقروا؛ ويعني بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، فرض عليكم مثل الذي فرض {عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.

وأصل الصيام في اللغة: الإمساك عن الشيء والترك له، ومنه قيل للصمت: صوم, لأنه إمساك عن الكلام؛ ثم نقل في الشرع إلى الإمساك من حين طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

ثم اختلف أهل التأويل في الذين عني الله بقوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه، من فرض صومنا، وصوم الذين من قبلنا؟

فقال بعضهم: إن التشبيه يعود إلى وقت الصوم، وإلى قدره الذي هو لازم

<<  <   >  >>