وقوله تعالى:{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى}، قرئ {وعدنا} بدون ألف، و {واعدنا} بالألف، فأمَّا بغير ألف، فوجهه ظاهر، لأنَّ الوعد كان من الله تعالى، وأمَّا بالألف فهو من باب المفاعلة، وهي لا تكون إلَّا بين اثنين، فيقال: إن الوعد وإن كان من الله تعالى، فقبوله كان من موسى عليه السَّلام، وقبول الوعد يشبه الوعد، لأنَّ القابل للوعد لا بد وأن يقول: أفعل ذلك، أو يقال: إن الله وعد موسى الوحي، وموسى وعد الله المجيء للميقات إلى الطور.
وأعلم أن للمفسرين هنا كلامًا في اشتقاق لفظ {موسى} كأن البعض منهم ظن أن هذه اللفظة عربية، وهذا شأنهم في كثير من الألفاظ، والصحيح أن موسى لفظة عبرانية، ففي الإصحاح الثَّاني من سفر الخروج من التوراة: أن موسى لما فطم جاءت به مرضعته إلى ابنة فرعون، فصار لها ابنًا، ودعت اسمه موسى، وقالت: إنِّي انتشلته من الماء، فدَّل على أن هذا اللفظ مركب من كلمتين عبرانيتين الأولى "مو" وهو الماء والثانية "سى" وهو الشجر, لأنَّه وجد بين شجر الحَلفاء في الماء.
فلما خرج موسى إلى الميعاد، استخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، وقال له: إنِّي متعجل إلى ربي فـ {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} ... {وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)} [الأعراف]، ثم إنهم في أيَّام مواعدة موسى اتخذوا العجل إلهًا كما قال تعالى:{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} بإشراككم.
وذلك أن موسى لما خرج إلى الميعاد استبطأه قومه، وكان معهم مال من أموال القبط، وكان موسى أمرهم بقذفها، فاستبقى السامري- وهو رجل من قومه- بقية من تلك الأموال من أثر الرسول، الذي هو سيدنا موسى عليه السَّلام، وذلك كما أخبر تعالى عنه بقوله:{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}[طه: ٩٦] والأثر: ما بقي من رسم الشيء، فصنع منه عجلًا من الذَّهب، وجعله على نسبة هندسية، قال ابن عباس كما رواه عنه ابن جرير الطبري: كان الرِّيح يدخل من دبره ويخرج من فيه، فيسمع له صوت آه، فكان من أجل ذلك