للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد من هؤلاء الناقضين، هم الذين نزلت فيهم، وهم كفار أحبار اليهود، الذين كانوا بين ظهراني مُهاجَر رسول الله، وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل، ومن كان على شرْكه من أهل النفاق المبين قصصهم فيما مضى، غير أنه وإن كانت الآية نزلت فيهم فإنها لا تختص بهم، بل هي شاملة لهم، ولكل من كان على مثل ما كانوا عليه من الضلال، وقد عنى أيضًا بما وافق منها صفة المنافقين، ولما وافق منها صفة كفار أحبار اليهود، جميع من كان نظيرًا لهم في كفرهم، وذلك أن الله جل جلاله يعم أحيانًا جميعهم بالصفة لتقديمه، ذكر جميعهم في أول الآيات التي ذكرت قصصهم، ويخص أحيانًا بالصفة بعضهم، لتفصيله في أول الآيات بين فريق المنافقين من عبدة الأوثان، وأهل الشرك بالله، وفريق كفار أحبار اليهود، والعهد الذي نسب تعالى نقضهم إليهم، هو: تركهم ما عهد إليهم من الإقرار بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبما جاء به، وتبيين نبوته للناس، وكتمهم بيان ذلك بعد علمهم به، وبما قد أخذ الله عليهم من الميثاق في ذلك، كما قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: ١٨٧]، ونبذهم ذلك وراء ظهورهم، هو نقضهم العهد الذي عهد إليهم في التوراة الذي وصفناه، وتركهم العمل به. والذي يدل على هذا المنحى من التفسير أنه من ابتداء الخمس أو الست الآيات من أول هذه السورة، إنما نزل فيهم إلى تمام قصصهم، ثم جاءت الآية التي بعدها مخبرة عن خلق آدم وأبنائه، ثم أعاد الكلام عليهم في قوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠] وفي خطابه إياهم بالوفاء في ذلك خاصة دون سائر البشر، ما يدل على أن قوله: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}، مقصود به كفارهم ومنافقوهم، ومن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم.

غير أن الخطاب، وإن كان لهؤلاء، لكنه يدخل في أحكامهم، وفيما أوجب الله عليهم لهم من الوعيد والذم والتوبيخ، كل من كان على سبيلهم ومنهاجهم، من جميع الخلق وأصناف الأمم، المخاطبين بالأمر والنهي.

<<  <   >  >>